مراهقة جماعية
بقلم :محمد حبيب الراشد
قبل أن ينفجرَ وجهه في مقود السيارة ، وقبل أن تتناثر شظايا جسمه أسفل رأسه متجمعاً على كرسي السائق، وقبل أن تنتشر رائحة شواء لحمه في أرجاء الطريق السريع المؤدي إلى مقر عمله ، لم يكن صديقي الطيب يعتقدُ بأنه سيخطئُ وستؤدي سرعتهُ الجنونية لهذهِ الفاجعة.
نعم لقد فكرَ في ذلك مرة عندما سألته عن سرعته الزائدة فقال مبتسما:
نعم السرعة خطيرة ولكن هدئ بالك يا وسواسي ، كم نسبة احتمال أنني سأصاب بحادث ؟ واحد بالمئة ؟ اثنان بالمئة ؟ عشرة بالمئةةةةة؟ لا تخف يا صديقي فنسبة احتمال أن أصاب بحادث من بين مئات المسرعين تكاد تكون معدومة ، وأخذ يضحك .
لو أردت أن أختصر جوابه فسأختصرهُ في سؤال من كلمتين ، لماذا أنا ؟
السؤال الذي يطرحه كل واحد منا عندما يلوح في الأفق خطرٌ جاثم يهدد الجميع .
لماذا أنا؟ لماذا سيختارني من بين هذهِ الألوف ؟ بالتأكيد لن يصيبني شيء من هذا ؟
ثم ينفخ الهواء من فمه على عقله ليبعد الشعور بالخطر كما يبعد ذبابة تطير بالقرب من أنفه .
كان صديقي شاباً عادياُ مثلي تماما وبالإمكان أن أتهمهُ بأنهُ كان مراهقاً أحيانا ، ولكن كيف أصفُ من يفعل فعلتهُ ومعهُ زوجةٌ وأطفال أو عائلة ؟ يا إلهي هذهِ ليست مراهقة بل هذا مرضٌ عضال ، هذهِ جريمةٌ لا تغتفر.
لماذا أنا تنخرُ عقولنا بشدة حتى التبلد وفقد الأحاسيس ، والموت.
لو كان صديقي موجود اليوم فسيفعل مع الوباء مثلما فعل مع القيادة السريعة ، ولكنه لن يكون مراهقاً حينها في نظري ، بل سفاح ، سفاحٌ يتلاعب بأرواحِ الأطفال ، قاتل يدوس على أمهِ وأبيه لأنه لم يستطع أن يعمل على أساس وجودِ خطرٍ في حياته ، ولم يستطع أن يفوت جلسة عائلية عامرة أو تجمع في ديوانية يحضرها عشرون شخصا يشخرون من شدة الضحك عندما يتعرقل أمامهم شابٌّ أبله . نعم لماذا تريد مني أن أترك الجلسة ؟ المريضين عشرة والموسوسين مليون يعنيييي ؟ اترك عنك الوسواس .
وكما صديقي المسكين الذي لم يتجرأ أحد على وصف حال جسده لأمه بعد دفنه ، يعود صديقي الآخر ليعيد طرح نفس السؤال .
لماذا أنا ؟