مقالات

مقالات: الإمام الكاظم (عليه السلام) … ففروا إلى الله

رضي منصور العسيف

قال تعالى:
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) الأنعام آية (42)

في حياة المعصومين عليهم السلام دروس وعبر لمجمل حياتنا، لذلك علينا أن نقرأ سيرتهم العطرة ونقتبس منها ما يكون علاجًا لمشاكلنا.
في هذه الظروف الراهنة وما يمر بنا من أزمة فايروس كورونا والذي كان تأثيره شاملاً لمجمل حياة العالم، علينا أن نقف مع أنفسنا لحظات ونفكر فيما يكون لنا بلسمًا شافيًا وأن يوقف قطار الاكتئاب والهموم …
وفي هذا الصدد وبمناسبة ذكرى استشهاد الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) وحيث كانت سيرته تمر بمنعطفات وأزمات عصيبة نجده تجاوزها ومارس دوره الرسالي ليكون لنا قدوة وأسوة.
وهنا أود أن أشير إلى الجانب العبادي من سيرته لما له من أهمية في تجاوز الأزمات، حيث اننا نحتاج في هذه الظروف إلى أن يكون اللهُ مِلءَ قلوبنا ‏توحيدًا‏ وتعظيمًا، ‏وحبًّا ‏ورجاءً ‏وخشيةً، ‏وتوكلًا ‏واعتمادًا‏، واستعانةً‏ وتفويضًا.

وفرغني لعبادتك
نشأ (عليه السلام) في بيت ملؤه تقوى وعبادة وطاعة لله تعالى، حتى تجلت التقوى في جميع نواحي حياته الشخصية والاجتماعية، وقد كان يستثمر جل أوقاته في التقرب إلى الله، ولم يدع ظرفًا صعبًا يمنعه من الاتصال بالله تعالى.
قال المأمون العباسي في وصفه: قد أنهكته العبادة، كأنه شنّ بال، قد كلم السجود وجهه وأنفه (1).
لذلك نجد من مظاهر طاعته أنه دخل مسجد النبي (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم) في أول الليل فسجد سجدة واحدة وهو يقول بنبرات تقطر إخلاصاً وخوفا منه:
(عظم الذنب من عبدك، فليحسن العفو من عندك).
وعندما أودعه هارون الرشيد في ظلمات السجون تفرغ للطاعة والعبادة حتى بهر بذلك العقول وحير الألباب، فقد شكر الله على تفرغه لطاعته قائلاً:(اللّهم إنني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهمّ وقد فعلت فلك الحمد).
وهكذا كان من ألقابه (عليه السلام): العبد الصالح، وزين المجتهدين (2).

القرآن ثروة مجهولة
نحتاج في الأزمات إلى شدة الارتباط بالقرآن تلاوةً وتدبُّرًا وفهمًا، فهو ربيع القلوب، وفيه جلاء الأحزان والكروب، ونور الأفهام والبصائر، ونبراس الحياة.
ولهذا نجد التأكيد من أهل البيت (عليهم السلام) بضرورة الارتباط بالقرآن الكريم، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: القرآن هو الدواء.
وعن الإمام علي (عليه السلام): اعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوا به على لاوائكم (3).
وفي سيرة الإمام الكاظم (عليه السلام) نجد أن الذكر الحكيم كان رفيقه في خلواته، وصاحبه في وحشته وكان يتلوه بإمعان وتدبر، وكان من أحسن الناس صوتا به، فإذا قرأ يحزن، ويبكي السامعون لتلاوته (4).
لقد علمه القرآن الكريم أسمى القيم، ومن أبرزها الإشفاق على نفسه، والسعي الذائب لتزكيتها وخلاصها من غضب الرب، وإصلاحها لتكون موضع محبة الخالق ورضوانه (5).

الدعاء.. تصحيح رؤية الإنسان
لم تكن الأدعية مجرد كلمات تُقرأ من كتب الأدعية، بل جاءت لتعزز ارتباطنا بالله سبحانه وتعالى، بل جاءت لتكون برنامجًا متكاملاً لتعديل مختلف جوانب الحياة.. فهي تصحح رؤية الانسان الى الحياة وتعدل أهدافه.
لهذا فإن الدعاء هو خارطة وبرنامج عملي للتغيير، فهو يقطع المسافة الفاصلة بين العبد وربه، وهو يشحن العبد بالأمل والرجاء، ولهذا جاء التأكيد على الأدعية وعدم الغفلة عنها.
عن أبي الحسن موسى عليه ‌السلام قال:(عليكم بالدعاء فإن الدعاء والطلب إلى الله عَزَّ وجَلَّ يردّ البلاء وقد قدر وقضى فلم يبق إلاّ إمضاؤه، فإنه إذا دعا الله وسأله صرف البلاء صرفاً).
وقال (عليه السلام): (لكل داء دواء)، فسئل عن ذلك؟ فقال:(لكل داء دعاء، فإذا أُلهم المريض الدعاء فقد أذن الله في شفائه) (6).

الهوامش:
1 ) أعلام الهداية .. الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام ) ص 22
2 ) أعلام الهداية .. الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام ) ص 28-29
3 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٣ – الصفحة ٢٥٢٠
4 ) أعلام الهداية .. الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام ) ص 31
5 ) النبي وأهل بيته قدوة وأسوة ص 144
6 ) أعلام الهداية .. الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام ) ص 232

اترك تعليقاً

نص التعليق

زر الذهاب إلى الأعلى