مقالات: الفتنة وما أدراك ما الفتنة
تختلف مسببات إشعال نار الفتنة بين أفراد المجتمع، فهناك عوامل ترتبط ببعض المصالح والمآرب الشخصية، وهناك مسببات لها علاقة بالظروف الاجتماعية، وبالتالي فإن دراسة الأمور من جميع الزوايا، ومعرفة الأسباب الواضحة نقطة أساسية لقطع طريق أمام الأطراف الساعية لزرع الفتنة، وذلك من أجل تقليص فجوة عمليات التخريب في البيئة الاجتماعية، وتصحيح أوضاع أصحاب الفتن، وخصوصا أن بعض الأطراف تحاول تهدئة الأوضاع عن طريق تكريس ثقافة تساعد على تقريب وجهات النظر، والتعاون، بعيدا عن نشر ثقافة الاتهام التي تعطي الفرصة لإشاعة الخلاف الناتج عن سوء الظن والفهم، وإثارة الأحقاد في النفوس، والتشكيك في النوايا الصادقة التي تحتاج المساعدة والتصديق من قبل الآخرين.
إن امتلاك الوعي في التعامل مع المشاكل والقضايا التي تتمحور حول الفتنة، على حسب اختلافها بين المجتمعات البشرية، بمثابة "صب الماء على النار"، فالشخص الواعي والمسؤول يتجنب "صب الزيت على النار"، مما يدفعه للسعي لإيجاد الحلول الفعالة، والابتعاد عن التصادم المباشر الذي يصاحبه العنف، للقيام بمعالجة أسباب ظهور الفتنة، باعتبارها مرض اجتماعي خطير يؤدي إلى تفكيك التماسك الداخلي، جراء وجود فريق رافض لاتخاذ الموقف الإيجابي.
التمييز بين الشر والخير بشكل دقيق ومدروس، من قبل الأشخاص الواعين يعطي المجتمع الفرصة لتجنب الوقوع في فخ الفتن التي تحاول بعض الأطراف نصبه لخلق مشاكل وإحداث خلافات عنيفة، وذلك بغرض تحقيق أهداف ومآرب خاصة، بعضها مرتبط بالانتقام من بعض الفئات الاجتماعية، والآخر لتأليب الرأي العام، من أجل إحداث ضجة في المجتمع، وحالة من الخصام تجاه أصحاب الأفكار والتوجهات والآراء المغايرة، بالإضافة إلى ذلك إثارة قضايا هامشية لا تجدي نفعا على الإطلاق.
المواقف التخريبية تكون اثارها مؤقتة لدى بعض الشرائح الاجتماعية، نظرا لوجود شخصيات تسيطر على الرأي العام، ومع وجود ضغوطات اجتماعية رافضة للممارسات التي لها أثار سلبية على البيئة الاجتماعية، الأمر الذي يدفع أصحاب الفتن إلى بذل الكثير من الجهد في سبيل توسيع فجوة الفتنة في البيئة الاجتماعية، وخصوصا أن هناك شخصيات لديها نفوذ اجتماعي، وقواعد شعبية، مما يمنع فريق الموقف السلبي من الحصول على تأييد شعبي.
إن محاولة تدارك المواقف أمر ضروري للخروج بخسائر قليلة، وللحاق بالركب، وتحقيق بعض المكاسب الاجتماعية، بينما طريقة التفكير "المتخلفة" بمثابة مرض اجتماعي يصعب علاجه، فهناك بعض المجتمعات البشرية لا تحسن التعاطي مع بعض الملفات الاجتماعية، وهذا الأمر طبعا " يزيد الطين بله"، بالإضافة إلى ذلك بعض الناس تستعجل في اتخاذ المواقف السلبية، وغير قادرة على استيعاب ما يحدث من حولها بشكل هادئ، وعقلاني.
التفريق بين فريق الموقف الإيجابي، وفريق الموقف السلبي، يتطلب تحكيم العقل، لتجنب الانجرار وراء العاطفة المستهجنة، والمواقف الارتجالية وغير المدروسة، وخصوصا وأن كل فريق يحاول دعم موقفه بمحاولة إطلاق الاتهامات، وبث الشائعات، بهدف تسجيل بعض الانتصارات، واستقطاب المزيد من الشرائح الاجتماعية. إن المجتمع الواعي له القدرة على وضع الأمور في المسار الصحيح، وذلك من أجل الوقوف مع الفئة القادرة على نشر ثقافة التعاون، والتقريب بين مختلف التوجهات والأفكار، ووجهات النظر، دون الدخول في معارك غير منتهية.
أدعو الله أن يحفظ الأمة، والبلد، وأهل وأفراد وأبناء المجتمع من كل شر وسوء.