من الذاكرة … دعاء كميل
رضي منصور العسيف
كانت الإشارة حمراء … سمعت صوت غناء صاخب … نظرت إلى السيارة المتوقفة بجانبي لأرى الشاب الذي يقود هذه السيارة …
كانت المفاجأة … مجموعة فتيات ….
أغلقت النافدة … رفعت صوت دعاء كميل قليلاً وبدأت أنصت إليه ….
عادت بي الذكريات إلى تلك الأيام …
أيام الثمانينات …. أيام التسعينات …. تلك الأيام التي كنا نحضر فيها دعاء كميل …
قال لي صديقي … هذا الأسبوع سوف يقرأ دعاء كميل في مسجد (…) أدعوك للحضور سيعجبك القارئ …
قلت له ليس عندي سيارة …
قال نحن سنأتي ونأخذك معنا …. كن جاهزًا في تمام الساعة السابعة …
ذهبت معهم … وصلنا المسجد …. لحسن حظنا كان الشيخ لم يبدأ بالقراءة بعد ….
كان الحضور غفيرًا … لم نجد لنا مكانًا إلا في آخر المسجد … علماً أن هذا المسجد كان واسعاً جداً وما هي إلا لحظات حتى امتلأ عن آخره … بدأ الشيخ بكلمة روحية بين فيها أهمية الدعاء والتوجه إلى الله والخشوع والبكاء … ثم بدأ يقرأ كلمات الدعاء …
كانت هذه هي المرة الأولى التي أحضر فيها … سمعت عن دعاء كميل وسمعت عن هذا القارئ لكني لم أتوقع هذا التفاعل الرهيب ….
كان الشباب متفاعلاً مع كلمات الدعاء … بكاء …. بكاء …. بكاء ….
رأيت أحدهم وقفًا رافعًا يديه …. وينادي ربي اغفر لي الذنوب … غفرانك يا رب ….
شاب آخر بجانبي … رايته ساجدًا وهو ينحب ويبكي …. بكاء …. دعاء من القلب …
توقف الشيخ عن القراءة وصار يتحدث عن النار والعذاب ….
وهنا ازداد البكاء والنحيب ….
ثم أردف القارئ بكلمة قائلاً لماذا هذا الجمود … لماذا لا تبكي …. عليك بمراجعة نفسك ما الذي يمنعك عن البكاء … إنها الذنوب … إنها المعاصي …. عليك بتقوى الله في الخلوات …. الملائكة تحصي عليك أعمالك … ألا تستحي من الله …. اللهم فاقبل عذري وارحم شدة ضري ….
كلمات بسيطة ولكن لها أثرها في شحن الأجواء بالبكاء والتضرع إلى الله …. يا من إليه شكوت أحوالي يا رب يا رب يا رب …. قو على خدمتك جوارحي …
ها نحن في آخر فقرات الدعاء … توجه إلى الله بقلبك وناجي ربك بـ يا سريع الرضا اغفر لمن لا يملك إلا الدعاء ….
هكذا انتهى الدعاء ….
الحضور كان يملأ المسجد وساحته ….
سيماء الخشوع واضحة على ملامح الشباب ….
سألني صديقي ما رأيك هل أعجبك هذا العمل …. ؟!
أجبته : أتمنى الحضور أسبوعيًا … دعني أرافقكم أسبوعيًا ….
دعاء كميل ….
كلمات
صوت
شباب إيماني
تجمع روحي …
عملٌ كان له أثره في توعية الشباب وشحنه بالطاقة الروحية ….
توجيه لبناء الذات والتحليق بها في عالم من النقاء والطهارة ….
دعاء كميل مراجعة ذاتية أسبوعية …. قف مع ذاتك لترى أين موقعك في هذا العالم الذي بدأ يتجه نحو (….)
بعد سنوات ….
مررت على ذلك المسجد … سالت صديقي: هل لا يزال يُقام الدعاء في المسجد؟!
أجابني: للأسف يا صديقي …. لا …
قلت له: وتلك الأيام ….كانت خير مربي لنا …
ما أحوجنا في هذه الأيام لمثل هذه الأعمال…
في عالم يعيش المادة ويتجه نحوها … دعونا نفكر في ذاتنا …. نتوجه إلى الله استجابة لقوله تعالى: " وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ" سورة غافر آية (60)