فاطمة الزهراء (ع)…القدوة العلمية
بقلم: رضي منصور العسيف
العلم هو أحد الركائز الأساسية لبناء الأمم المتقدمة، وبه تتغلب الأمم على عوامل التخلف، وبه تصنع الحياة العزيزة الكريمة، و"ليس هناك في المجتمع أي تنمية دون تعليم"، ولهذا ورد عن الإمام علي (ع) : (اكتسبوا العلم يكسبكم الحياة) وفي حديث آخر يقول (ع) : (إن العلم حياة القلوب، ونور الأبصار من العمى، وقوة الأبدان من الضعف)(1).
ويكتسب العلم هذه الميزة وهذه القوة حينما نعلم أن مصدر العلم هم أهل بيت النبوة المتصلين اتصالًا مباشرًا بالوحي فهم( مهبط الوحي ومعدن الرحمة وخزّان العلم) كما جاء في الزيارة الجامعة، وقد روى جابر بن عبدالله الأنصاري عن رسول الله (ص) أنه قال : (إن الله جعل علياً وزوجته وأبناءه حجج الله على خلقه، وهم أبواب العلم في أمتي، من اهتدى بهم هُدي إلى صراط مستقيم )(2).
وهكذا نعي أن من أراد أن يرتشف من معين العلم والمعرفة فعليه أن يتوجه إلى المصدر الحقيقي، وهم أهل البيت (ع).
*فاطمة الزهراء (عليها السلام) القدوة العلمية*
وفاطمة الزهراء (ع) تمثل جانبًا مهمًا في هذا الجانب سيما أنها تربت وترعرعت في بيت مفجر النهضة العلمية في ربوع الجزيرة العربية، فمن رسول الله (ص) تعلمت العلوم والأحكام، ومنه سمعت تلك الكلمات الرسالية وتلك الأدعية الروحانية، والأخلاقيات النبوية الرفيعة، وساعدها في ذلك ما تحمله شخصيتها من الذكاء والفطنة والقلب الواعي، الذي حفظ تلك الكلمات وأدرك معانيها على أكمل وجه.
ورد عن ابن مسعود قال : جاء رجل إلى فاطمة (عليها السلام) فقال : يا ابنة رسول الله هل ترك رسول الله عندك شيئاً تطرفينيه ؟ فقالت : « يا جارية هات تلك الحريرة»، فطلبتها فلم تجدها، فقالت : «ويحك اُطلبيها فإنّها تعدل عندي حسناً وحسيناً»، فطلبتها فإذا هي قد قممتها في قمامتها[3]، فإذا فيها : قال محمّد النبيُّ : «ليس من المؤمنين من لم يأمن جاره بوائقه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو يسكت، إنّ الله يحبُّ الخيّر الحليم المتعفّف، ويبغض الفاحش الضنين السئّال الملحف، إنَّ الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة، وإنَّ الفحش من البذاء، والبذاء في النار»[4] .
وقد جاء في زيارتها (عليها السلام) : (السلام عليك أيتها المحدَثة العليمة)(5) في هذا الصدد يقول الإمام الشيرازي (قُدس سره) : ( إن الصديقة الزهراء كانت عالمة بالعلم اللدني من الله فقد أُتيت من العلم والمعرفة قدراً لا يضاهيها فيه أحد سوى الرسول الأعظم(ص) وبعلها أمير المؤمنين (ع).
كانت (عليها السلام) على قدر من المعرفة بحيث أنها تخبر عما هو كائن وما كان وما سيكون في المستقبل، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على سعة علمها (عليها السلام) وارتفاع مقامها )(6).
*خطبة الزهراء … الموسوعة العلمية*
ومن يقرأ سيرة السيدة الزهراء (عليها السلام) فإنه يتوقف عند خطبتها العظيمة التي ألقتها على جموع المسلمين في مسجد رسول الله(ص) والخطبة الأخرى في نساء المسلمين، ومن يقرأ هذه الخطبة فإنه يجدها كنزًا علميًا، يحتاج إلى دراسة وتحقيق واستنتاجات، فهي خطبة حملت بين كلمات العديد من الدروس في بيان التوحيد، والنبوة، والتحدث عن الفترة الجاهلية التي سبقت بعثة الرسول (ص)، وفلسفة الأحكام وعلل الشرائع.
إن خطبة الزهراء عليها السلام وثيقة علمية، تاريخية وأدبية مهمة لكل باحث عن الحقيقة وطالب للمعرفة ومريد للحكمة.
وقد قام الإمام الشيرازي (قُدس سره ) بدراسة هذه الخطبة وخرج لنا بأرقى موسوعة فقهية استدلالية تقع في ستة أجزاء تحت عنوان (من فقه الزهراء (عليها السلام)).
*الزهراء (ع) … قدوتنا العلمية*
وبعد هذا العرض السريع للجانب العلمي في حياة السيدة الزهراء (ع) نقول : إنها خير قدوة لنا في هذا الجانب، ولذلك علينا أن نعيش مع العلم والمعرفة بشكل مستمر، وأن تصطبغ حياتنا بصبغة العلم.
كما يجب أن نتعلم أدبيات التثقيف الذاتي فيكون لنا وقتًا مقدسًا للقراءة والكتابة المركزة التي تسهم في بناء عقلنا وتجعلنا نعي واقعنا ومتطلباته.
كما ينبغي علينا أن نساهم في نشر الثقافة الحية بين صفوفنا ونساهم في صناعة الأجواء العلمية فيما بيننا.
الهوامش:
1 ) : ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٣ – الصفحة ٢٠٦٥
2 ) : القزويني، محمد كاظم، فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد، ص 218، طبعة 1422هـ ، الناشر دار الأنصار.
3 ) : القمامة ـ بالضمّ ـ : الكناسة .
4 ) : أعلام الهداية … سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام
5 ) : القمي/ الشيخ عباس، مفاتيح الجنان، ص 386، الطبعة الثانية1418هـ1998م، مؤسسة الأعلمي، لبنان ـ بيروت.
6 ) : الشيرازي، آية الله العظمى الإمام السيد محمد الحسيني، فاطمة الزهراء(ع) ، ص 33، الطبعة الأولى 1420هـ 1999م، مؤسسة الكلمة للتحقيق والنشر، لبنان ـ بيروت