الإمام الحسن العسكري عليه السلام … وصية لإنسان مميز
رضي منصور العسيف
بناء الإنسان وتربيته تربية مميزة هي أحد الأدوار التي قام بها أئمة الهدى (عليهم السلام) وقد استخدموا في هذه العملية التربوية أرقى الأساليب وأفضل المهارات، ذلك لأن (الأتباع) و(الجماعة الصالحة) هي امتداد لمسيرة أهل البيت عليهم السلام في إصلاح الأمة وتوجيهها نحو الهدى والرشاد.
وتمثل كلمات أهل البيت عليهم السلام ووصاياهم إحدى الوسائل المهمة الهادفة لتوجيه وتربية وتثقيف الإنسان الذي سيقود مجتمعه وسيكون عنصرًا فاعلًا في نهضته.
وتمثل وصية الإمام الحسن العسكري عليه السلام لشيعته إحدى الوصايا الرسالية التي ينبغي التوقف عندها واستلهام الرؤى والبصائر لبناء الإنسان المميز، يقول (عليه السلام): أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ الْوَرَعِ فِي دِينِكُمْ وَ الِاجْتِهَادِ لِلَّهِ وَ صِدْقِ الْحَدِيثِ وَ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكُمْ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ وَ طُولِ السُّجُودِ وَ حُسْنِ الْجِوَارِ فَبِهَذَا جَاءَ مُحَمَّدٌ ص صَلُّوا فِي عَشَائِرِهِمْ وَ اشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ وَ عُودُوا مَرْضَاهُمْ وَ أَدُّوا حُقُوقَهُمْ «4» فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ إِذَا وَرِعَ فِي دِينِهِ وَ صَدَقَ فِي حَدِيثِهِ وَ أَدَّى الْأَمَانَةَ- وَ حَسَّنَ خُلُقَهُ مَعَ النَّاسِ قِيلَ هَذَا شِيعِيٌّ فَيَسُرُّنِي ذَلِكَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا زَيْناً وَ لَا تَكُونُوا شَيْناً جُرُّوا إِلَيْنَا كُلَّ مَوَدَّةٍ وَ ادْفَعُوا عَنَّا كُلَّ قَبِيحٍ فَإِنَّهُ مَا قِيلَ فِينَا مِنْ حُسْنٍ فَنَحْنُ أَهْلُهُ وَ مَا قِيلَ فِينَا مِنْ سُوءٍ فَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ… (1)
تأصيل الوازع الديني
التقوى، الورع، والاجتهاد لله هي مفردات البناء الروحي للشخصية الواعية، وعندما يوصي الإمام (عليه السلام) بالالتزام بهذه المفردات فإنه يدعو لتأصيل الوازع الديني في شخصية الإنسان، لتكون شخصيته تتمحور حول التقوى والتي تمثل السور الذي يقي الإنسان نفسه من الوقوع في الحرام والرذيلة، والتقوى تمثل مفتاح التسديد والنجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة.
والورع كما يعرفه المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي: “حفظ الحواس من لامسة وباصرة وسامعة وذائقة… عن كل انحراف وزيغ وإثم وعصيان والورع: قلبه في راحة، ونفسه في هدوء، وباله في اطمئنان(2).
لذلك على الإنسان المؤمن أن ينمي في ذاته قابلية الورع والترفع عن ارتكاب الذنوب أو التفكير في ارتكابها وليكن قوله تعالى : ” وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ (41)”(3) ماثلاً أمامه ليكون أكثر طهراً ونقاء.
الأخلاق … مفهوم أوسع
شملت هذه الوصية مجموعة من المفردات الأخلاقية كصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الجوار وهي ممارسات وآليات التعامل مع الآخرين.
ولكن علينا أن نعي معنى الأخلاق بمفهومها الواسع، فهي تمثل الخلفيات الروحية للأخلاق الفاضلة؛ فالصدق – مثلاً – نابع من الاستقامة في النفس، والإصلاح ناتج عن رؤية صافية الى الحياة، والوفاء منبثق من شجاعة نفسية لدى الإنسان.. أما الكذب والنميمة والتهمة والغيبة، فانّ هذه الصفات السلبية نابعة من انحرافات نفسية، وتشوّش واضطراب في الرؤية، وفقدان البصيرة في الحياة(4).
ولتكن الأخلاق الفاضلة ممارسة عملية مع الآخرين وليس مجرد كلمات نتغنى بها.
التعايش مع الآخر
التعايش مع الآخر لا يعني على الإطلاق الذوبان فيه وضياع الهوية، بل يعني الاحترام المتبادل، ومعرفة كل طرف ما له وما عليه، وقبول كل شيء مختلف، حتى ولو لم يرق لنا(5).
ولكي نتعايش بسلام مع الآخرين علينا أن نتعلم بعض القواعد مثل:
اندمج في المجتمع ولا تنعزل عنه. لا تكن انطوائياً.
لا تظلم مخالف لك في الرأي فتحوله إلى عدو.
كن صادق النية في تجميع الناس.
إذا أردت التعايش: احترم الناس تكسب قلوبهم؛ احترم الناس حتى لو اختلفت معهم.
حافظ على سمعتك
هل سمعت بأن أحد المشاهير قد ارتكب فعلًا مشينًا أطاح بسمعته إلى درجة يستحيل أن تعود بعدها إلى سابق عهدها؟
إن السمعة والذكر محصلة عمل المرء وثمرة تصرفاته وسلوكياته فإما أن تكون حلوة خضرة لذيذة يفرح بها في دنياه، ويبشر بها في أخراه، وإما أن تكون مرة علقماً تخرجه في دنياه وتؤسفه في أخراه.
لذلك تأتي أهمية ان يحافظ الانسان على سمعته، وأن يجعل نبراسه في الحياة قوله تعالي ” وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ”(6) وقول الإمام العسكري : ” هَذَا شِيعِيٌّ فَيَسُرُّنِي ذَلِكَ”
الهوامش:
1 ) أعلام الهداية … الإمام الحسن العسكري.
2 ) الفضيلة الإسلامية، المرجع الديني السيد محمد الشيرازي (قدس سره)
3 ) سورة النازعات آية(40-41)
4 ) الأخـلاق عنوان الإيمان ومنطلق التقدم، السيد محمد تقي المدرسي
5) مقال: التعايش.. حياة تتسع للجميع، جريدة الجزيرة ، السبت 01 جمادى الآخرة 1436 العدد 15514
6 ) سورة الشعراء آية 84