مقالات

عفاف ٩

عفاف 9
رضي منصور العسيف

ابتسمت الأستاذة زهراء وقالت: دعيني أكمل حديثي، لماذا تقاطعيني؟!
قلت: آسفة جداً…أكملي …
قالت: حالياً لا يوجد لدينا فصل دراسي جديد، سيما أننا على أبواب الأختبارات، ولكن الأستاذة أم حسن تقترح أن تبدأي معنا في دروس تقوية وتهيئة للاختبارات… ما رأيك؟
قلت: ليس لدي مانع…
قالت أم حسن سنعمل إعلان، وسننشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وسنتابع التسجيل…
قلت: جزاكم الله خير…
قالت الأستاذة زهراء: بقي عليك أن تحضري محاضرات تربوية، ستجدينها في موقع المعهد، وبعد الانتهاء منها سيظهر لك اختبار لمعرفة مدى قدرتك على التدريس، هذا الاختبار متطلب أساسي للمعهد…
قلت: أنا مستعدة لذلك … سأحضر الدورات وسأنجح إن شاء الله …
حضرت الدورات وانتهيت منها خلال يومين … وقد نجحت في الامتحان بدرجة ممتاز…
اتصلت بي الأستاذة أم حسن وقالت: لدينا 5 طلاب في الصف الثالث ابتدائي، سجلوا في دورة التقوية لمادة الرياضيات، يمكنك البدء معهم يوم غد…
في اليوم الثاني حضرت للمعهد ، دخلت الفصل، وإذا بي أرى حسن … فرحت كثيراً، قلت له ماذا تعمل هنا؟
أجابني: حضرت مع زملائي لنتعلم منك مهارات حل مسائل الرياضيات، نحن نثق بقدراتك.
نظرت إليه ودمعت عيناي وقلت له: يا لك من بطل…
بدأت معهم في التدريس، كنا نراجع المسائل ونحلها، وبقي يوم على الاختبارات النهائية، قلت لهم أرجو منكم أن تثقوا بقدراتكم، فلقد كنتم طلاباً مجتهدين.
قال لي أحد الطلاب: ليتك تعلمينا في المدرسة، لديك قدرة رائعة، سنحصل على الدرجة النهائية …
شكرتهم وتمنيت لهم التوفيق …
خلال تلك الأيام القليلة التي قضيتها مع الطلاب طلبت منهم: استخدام عقولهم فهي من أعظم الأجهزة الجبارة التي وهبهم الله.
لقد قمت بتعليم الطلاب وتدريبهم على أساليب المذاكرة الصحيحة، بخطوات عملية واضحة. كنت أوضح لهم وبالأمثلة: كيف يحلون المسائل الرياضية؟ وكيف يستطيعون التركيز والانتباه أثناء المذاكرة؟ وما هي الأمور التي تساعد على المذاكرة الصحيحة.
كنت أبث فيهم روح العزيمة والإصرار، وحب العلم، والمحاولة الدائمة لتتحسن وتتطور قدراتهم العقلية، ليتحول كل طالب منهم من طالب ذكي إلى طالب أذكى.
بعد انتهاء الامتحانات وصلتني رسالة على الواتساب: شكراً لك أستاذة عفاف، لقد حصل ابني على درجة كاملة في مادة الرياضيات، …
كنت سعيدة جداً بهذا الانجاز…
بعد الإجازة عدنا للمعهد…
قابلتني الأستاذة زهراء بوجه مبتسم وقالت: لقد حققت نجاحاً باهراً، ينتظرك 10 طلاب … كما أن إحدى الامهات تنتظرك في غرفة الإدارة…
لم أستطع الكلام… كانت مفاجأة لم أتوقعها …
ذهبت لمكتب الإدارة، استقبلتني أم حسن وحسن وبقية الطلاب ومعهم سيدة في الثلاثينات من عمرها، قالت السيدة: لقد حضرت لأشكرك على المجهود الرائع مع ابني واسمحي لي أن أقدم لك هذه الهدية…
نظرت إليها، لم أستطع الكلام …
هل يعقل هذا؟!
هل انتهت الأزمة؟!
الحمد لله … شكرتهم جميعاً …
لقد أصبحت مدرسة معتمدة في المعهد، ولقد درست عدة دورات تربوية، ودورات في الرياضيات، ودورات في فهم سلوك الطلاب…
………………………
ذات مساء جاءت حوراء… قرأتُ في وجهها علامات الغضب والتذمر… سألتها: أين أنتِ منذ مدة طويلة لم أراك… ما بك لماذا أنت غاضبة؟!
أجابتني: ضغوط العمل يا عفاف … لقد إزداد ضغطها علينا، خصوصاً بعد زواجها، ولذا قررت أن أترك العمل…
سألتها: من التي تضغط عليكم، ومن التي تزوجت؟
أجابتني: فوزية ومن يكون غيرها … منذ أن تزوجت المدير وهي تتسلط علينا، لقد أصبح الوضع جحيماً لا يطاق…
قلت لها: فوزية تزوجت المدير!!كيف ذلك؟! هو متزوج!!
قالت حوراء: نعم، هي زوجته الثانية.
قلت لها: ومتى كان ذلك؟!
قالت: قبل وفاة السيدة خديجة بأسبوع …
صمتُ…ثم قلت: هل يكون زواج المدير سبباً في وفاة والدته؟!
قالت: لا أعلم … ربما … ولكني سأترك العمل… هل تذكري الموظفة مريم؟
أجبتها: نعم ما بها؟!
قالت: لقد قدمت استقالتها، لم تتحمل ضغوط العمل، لقد تجاوزت فوزية حدودها ولم تسلم منها صديقتها مريم…هل تتوقعي أن أستمر معها بهذا الأسلوب؟! عندما ألتقي بها أشعر بالتوتر، وضيق النفس … هي مثل النار ستحرق العمل بمن فيه…ونحن مثل القنبلة الموقوتة أخشى أن ننفجر في يوم ما..
قلت لها: توقفي عن هذا التفكير… ضغوط العمل لابد أن يأتي يوم وتهدأ… فكري بطريقة إيجابية: كل ضغط من ضغوط العمل قد يحمل لك فرصة للتحدي والتقدم والتعلم …صدقيني … عليك أن تفكري في كيفية التخلص من الضغوط.
فكري في أن تتحدثي مع المدير، اشرحي له الوضع في العمل، وأن الموظفين بدأوا يغادرون العمل، وهذا يؤثر سلباً على الإنتاجية..
قالت حوراء: وهل تتوقعي أنه سيسمع كلامي، إن فوزية مسيطرة على الوضع سيطرة تامة.
قلت: وإن كانت كذلك، لكن لابد من رفع الصوت ليعلم المدير إلى أين يسير العمل..أو يمكنك طلب إجازة حتى تهدأ الأمور، أنت يا حوراء موظفة مبدعة في عملك، لا تدعي أحدهم يحطم انجازاتك، هذه فترة وستنتهي…الإدارة تحتاجك أنت صاحبة خبرة لا يمكنهم التفريط في قدراتك …
نظرت إلي وقالت سوف أطلب إجازة 14 يوم وأتمنى أن يوافق المدير عليها، أريد أن أرتاح قليلا،نعم سوف أطلب إجازة…
صمتت حوراء … ثم قالت: أريد أن أحدثك في موضوع آخر…
قلت لها: ما هو موضوعك … تفضلي…

للقصة بقية

اترك تعليقاً

نص التعليق

زر الذهاب إلى الأعلى