مقالات: نخلة وسط المأتم
محمد حبيب آل راشد
عندما دخل أبو علي ذو السبعين عاماً للحسينية توقف عند الباب قليلاً ليأخذ نظرة واسعة على جدران الحسينية الممتلئة .
لم يجد مكانا خاليا على الكنب المحيط بكافة جدران المأتم فمشى للمنتصف وحاول أن يجلس على الأرض بجانبي وأخذ جسمه يهتز أثناء نزوله للأرض كنخلة نخرتها السنوات وأصبح جذعها هشاً يتناثر عند أي حركة، وبان على وجه العجوز الإنكسار.
وحانت منه التفاتة لشاب يافع أعرفه جيداً كان يجلس وينظر باتجاهنا بنظرة باردة ثم أعاد نظره للشيخ ذو المواضيع (الحداثية) !!
وكأنه يسجل لنفسه إنجازاً عظيماً لأنه من حظور محاضرات الشيخ فلان ذو البحوث.
قد يكون موضوعي قديماً بقدَم عهدنا بالقِيَم والأخلاق ولكنّه لا يزال يستحق التوقف عنده ولو قليلاً .
لماذا لم تقم أيها الشاب احتراماً وتقديراً لشيبة أبو علي؟
ما قيمة هذا الكم الكبير من البحوث التي تهتم بها إذا كانت لم تزرع فيك أحد أهم القيم الإنسانية الفطرية على مر التاريخ وهي احترام كبير السن ؟
أنا أعرفك جيداً ، أنت كالفارس الهمام في ملاعب كرة القدم ولا تعاني من أي علة في بدنك تمنعك من الجلوس وسط المأتم . فلماذا لا تهتم ؟
في الحقيقة أنت لست سوى جلد أجوف فارغ تحاول تلميع نفسك بظاهر الإهتمامات الثقافية ولكنك لا تملك أي قيمة ذاتية إذا لم تكن توقر ماضيك المتمثل بهذا الإنسان الرائع جداً الجالس بجانبي .
وصَبُّ الماء على القهوة الأمريكية باتجاه عقارب الساعة أو بعكسها لن يجعل منك رجلاً مواكباً للزمن الحديث إذا لم تعرف قيمة آبائك وأجدادك وتنطلق منها للعالم .
وما أهمية حضورك لمجالس أهل البيت إذا لم تكن مشاركاً فاعلاً في تطبيق وصاياهم وقيمهم والتي كان في مقدمتها توقير كبيرنا .
عد لنفسك وناقشها يا مثقف ، واعقد مؤتمراً أو جلسة عصف ذهني إذا كنت تحب هذه المفردات ، ثم سائل نفسك ، لماذا لم أقف عندما جاء أبو علي؟
تاج راسنا أبو علي .
موضوع مهم جدا وننوه أيضا لغفلة الآباء والأمهات لزرع ثقافة احترام كبار السن في أولادهم.