دينية

كلمة الجمعة للشيخ حسين آل خميس

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي بعد فلا يرى والذي قرب فشهد النجوى وعلى فرأى كل ماخفى ودنى فلم يلامسه نظر
والصلاة والسلام على اشرف الخلق وخير البرايا والهادي من العماية الحبيب المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين
(وبين السماء والارض دعوة المظلوم)
قال الامام الحسن بن علي بن ابي طالب(ع)(وبين السماء والأرض دعوة المظلوم ومد البصر فمن قال غير هذا فكذبه)
قد تقصر المسافة بين شيء وشيء وقد تطول ويمكن تحديد وعد المسافة بين الاشياء وتحتاج ما تحتاج من الوقت والجهد في الوقوف عليها والوصول اليها
فبعضها يختلف عن بعض في تحديد ذلك وذلك بحسب اختلاف المقدار الذي يكوت بين هذه النقطة والاخرى ولكن بأي شيء يمكن ان تحدد وتعين المسافة بين طرفي الكون اي بين السماء والارض هل كما هو المعتاد بين الاشياء اي بين نقطة ونقطة وإن كانت المسافة بينهما تحوي من البعد ماتحوي مادامت في المتناول وتحت التصرف ام ان الامر يختلف؟
نعم ان الامر يختلف تمامًا وبكل تأكيد اذ ان المسافات بين الاشياء مهما عظمت وكثرت فلا تصل الى ماهو عليه من مسافة بين السماء والأرض وهذه المسافة تستغرق الكثير من الوقت والجهد حتى الوصول الى منتهاها ولكن المسافة بين السماء والارض اسرع مما يكون واسهل مما يظن ويقدر وهذا لا يعني بالتقدير والمقياس المادّي الذي يجول في اذهان البشر وانما هو فيما يكون خارج هذا التقدير والحسبان وحينها تكون المسافة في المتناول في اسرع وقت واقل جهد عن بقية المسافات
وهذا ماجرى وحدث في رحلة رسول الله (ص) من اسراء ومعراج وصعود ونزول من الارض الى السماء ومن السماء الى الارض
وهذا ماهو كائن وحادث لمن تقع عليه ظلامة واعتداء من قبل جائر ومعتدي فعندها تطوى وتلف هذه المسافة بين السماء والأرض لتصل دعوة هذا المظلوم الى محكمة الكون وادارة هذا الوجود وهذا ما سجله هذا المهندس الحكيم والخبير الرشيد فيما افضى به من علم ومعرفة الا وهو الحسن بن علي بن ابي طالب(ع) بقوله وحسن نظره لذلك السائل عن المقدار الذي يكون بين السماء والارض وهو يظن انه سيكون الجواب على ماتعارف بين البشر في تقدير المسافات فكان الجواب ليس كما هو في خلد وبال البشر وانما هو جواب يتفق وحكمة السماء ومدبر الوجود
واشبه مايكون هذا الجواب بآية محكمة حين صدع بقوله (وبين السماء والارض دعوة المظلوم ومد البصر فمن قال غير هذا فكذبه)
وبمقدار هذه المسافة الشاسعة والبعيدة بين السماء والارض الا انها تكون قريبة وقريبة جدًا وذلك عبر دعوة المظلوم ومد البصر،وهذا ماهو مقدر ومكون تحت ارادة الله تعالى وتقديره وهذا مما يحدو بالمظلوم ان لا يقع في اليأس وقطع الامل من الاخذ بظلامته والانتصار له من ظالمه ولو بعد حين وهذا مصداق قول امير المؤمنين علي (ع)(بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين)
ومهما كانت هذه الدعوة وماتقربه من مسافة بين السماء والارض وكذلك مد البصر لتحقيق شيء من الاطمئنان والاستقرار في نفس المظلوم الا انه في تقدير الله تعالى ماهو اقرب واسرع من الدعوة
ومد البصر الا وهو جريان امر الدعوة والمسافة التي تحتاجها والمقدر في علم الله تعالى بقول كن فيكون
وهذا مما يزيد المظلوم أملاً واطمئنانًا وبأن الذي جرى عليه لا يذهب ضياعًا وكذلك يكون في الحسبان بان الظالم لم يفلت وينجو من الاخذ والعقاب وان يومه اشد من يوم المظلوم كما يقول امير العدل والحق علي بن ابي طالب(ع)(إن يوم المظلوم على الظالم اشد من يوم الظالم على المظلوم)
ولذلك ينبغي للانسان ان يكون حذرًا ويقضًا ونبهًا وفطنًا من الوقوع في الظلم والجور والفساد والعدوان لألا يقع في نهاية المطاف في اشد الحسرة والندامة ومن بعدها في العذاب والعقاب الشديد وهذا مسلك اهل العقل والحكمة والسلامة والصواب والنباهة والفطنة اذ ان العاقل من يسعى لكسب العاقبة الحسنة والنهاية الطيبة وذلك عبر الكف والامتناع عن الظلم والجور والعدوان
وكذلك عبر مناصرة واعانة المظلوم بها يحرز وينال العاقبة الحميدة
كما هو حال من يناصر ويعين الظالمين ويرضى بفعلهم وسوء صنيعهم فهو شريكهم في الفعل وهو كذلك شريكهم في الجزاء كما يقول الامام محمد الجواد(ع)(العامل بالظلم والمعين عليه والراضي به شركاء)
وحتى لا نكون شركاء في الظلم ان نكف عن الظلم ولا نعين عليه ولا نرضى به بل نسعى للعدل والعمل به ونعين من يسعى في إقامة العدل والرضا به
وبه ننال رضا الله تعالى وجزائه الحسن واكرامه الواسع

نسأل الله ذي المنن ان ينيلنا من واسع المنح ويكفينا شر المحن ويكف ايدي الظالمين عنا ويكفينا ويوفقنا لإقامة العدل وينجينا ويعصمنا من الظلم ويهدينا
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كلمة الجمعة ٩|٢|١٤٤٠ هـ
الشيخ حسين مهدي آل خميس

زر الذهاب إلى الأعلى