كلمة الجمعة لسماحة الشيخ حسين آل خميس
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي خلق كل نفس وهداها والهمها فجورها وتقواها واليه عودها ومنتهاها والصلاة والسلام على المبعوث رحمة والمرسول نعمة والمنصوب هداية المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين
(البعث رسالة علم وهداية)
قال الله تعالى في كتابه الكريم(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ )آل عمران |١٦٤
نعم الله ومننه على الخلق واسعة وكثيرة ولا سيما على الانسان ولو سعى وبكل مالديه من قدرة وقوة في احصائها لم يستطع الى ذلك سبيلاً ولا لعدها مجالًا كما يقول المولى تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) النحل|١٨
بل وجعل هذه النعم سابغة وغامرة وسخر مافي السموات والارض من ظاهر هذه النعم وباطنها اذ يقول الله في كتابه الكريم (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ)لقمان|٢٠
كل هذه العناية والاهتمام والرعاية والاسباغ للاخذ بهذا الانسان الى درب هدايته وصلاحه ثم الى فلاحه وسعادته ونجاته وفوزه وماهذه النعم والعطايا المتمثلة في ظاهرها وباطنها الا لينتهي بها الانسان الى ساحة خالقه وربه
من هداية وطاعة وعبادة وحمد وشكر وسير سليم وسلوك قويم ارتقاءً بذلك الى اعلى المراتب واصدق المقاعد عند مليك مقتدر في جنات ونهر لقوله تعالى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) القمر ٥٤-٥٥
والنعم الظاهرة هي تلك النعم التي جاد وتفضل بها سبحانه وتعالى على الانسان والمتمثلة في رسل الله تعالى وانبيائه
والنعم الاخرى الباطنة والمتجسدة في العقول والتي بها وبالنعمة الظاهرة يحرز الانسان ويحوز على الهداية والفلاح والفوز والسعادة واعظم واجل هذه النعم على اهل الايمان بالخصوص وعلى سائر الخلق والبشر بالشمول هي نعمة بعثة الرسول ونصبه هاديًا وبشيرًا وداعيًا ومعلمًا ومزكيًا ومرشدًا
وحين كانت البشرية بأمس الحاجة وهي تعيش وضعها المؤلم وحالها القاسي وظرفها الشديد من جهل وتخلف وانحطاط وسقوط وفتن وانعدام الامن والاستقرار وفقدان الرحمة والاخلاق
وبهذا فهي تتجه نحو هلاكها وفنائها الا ان عناية السماء ورحمة رب الكون اقتضت تلافي هذه النهاية والخلاص منها والاتجاه نحو النجاة والخلاص والانعتاق والانقاذ كما يقول الله تعالى (وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ) آل عمران |١٠٣
فكان هذا الانقاذ والانعتاق عبر هذه الرسالة التي بعث بها رسول الله محمد (ص) والتي تحوي ما تحتاجه البشرية وتصبو اليه
فجرى اولاً لطف الله تعالى ومنه بأن هيأ واختار رسولاً ونبيًا ليكون على يديه ومساعيه تحقيق هذه الضالة المنشودة والغاية المطلوبة وقد زود بكل الوسائل والطرق التي من خلالها الوصول الى ماهو منشود وبهذا يمكن الوقوف على شطر من هذه الوسائل واهمها كما يقول الله تعالى (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) آل عمران|١٦٤
اولى هذه الوسائل تكمن في عناية الله تعالى ومنه ولطفه ببعثة هذا الرسول وتكليفه بالقيام بهذه المهمة
والأمر الآخر من هذه الوسائل هي ماتضلع به الرسول وقام بتنفيذه الا وهي تلاوة الآيات والبراهين والادلة القائمة في الكون والتي عبرها التعرف على رب الكون والايمان به والطاعة والعبادة له للوصول بذلك الى الفيض الإلهي والعطاء الرباني
ثم الشروع في المرحلة الثالثة الا وهي القيام ببث التوجيهات والتعليمات والارشادات التي بها تتحقق تزكية النفوس وتطهيرها
ثم الانطلاق بالمرحلة الرابعة الا وهي السعي في تعليم الاحكام والفرائض والحدود والشرائع
نعم بكل هذه المساعي والجهود استطاع رسول الله محمد(ص) ان يخرج هؤلاء الناس من الظلمات الى النور ومن الجهل الى العلم ومن الكفر الى الايمان ومن الهلاك الى النجاة ومن الشقاء الى الهناء
وبهذا قد تحقق محتوى يوم المبعث والذي يراد منه صناعة انسان يحتوي على الانسانية وبكل ماتعني الكلمة من معنى انسان صاحب علم ومعرفة وحكم وحكمة وايمان وزكاة وصلاح واصلاح وخير وتقوى وازدهار وتقدم وقوة وعفة وطهارة ونقاء وحسن واحسان وبر ولطف وحب وصدق
–
نسأل الله المولى الكريم ان يوفقنا بالاخذ بمعنى وروح المبعث والسير على سلوك صاحب المبعث رسول الله محمد (ص) واهل بيته الاطهار (ع) والتخلق باخلاقه والعمل بما دعى وامر والكف عما نهى وزجر
إنه ربنا على كل شيء قدير وللدعاء سميع مجيب والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
–
كلمة الجمعة ٢٩|٧|١٤٤٠ هـ
الشيخ حسين مهدي آل خميس