وقفة مع ثقافة التهنئة والتعزية

تعتبر مظاهر التهنئة والتعزية مظاهر إيجابية وسلوكيات حضارية تعمل على تعزيز الترابط بين شرائح المجتمع المتنوعة بعيداً عن مستواها المادي والديني والثقافي .
تجاوز صفوف المهنئين والمعزين المنتظرين لفترات زمنية طويلة سلوك خاطئ يدلل في كثير من الأحيان على ثقافة سطحية ، وقلة وعي ديني ، وتجاوزاً للعرف الاجتماعي ، وهبوطاً في مستوى الآداب .
كثير من الهمس واللمز الذي نشهده بين صفوف المعزين والمهنئين هي من نتائج عدم احترام البعض للنظام وعدم التزامه بدوره ، لأنه لا يعبئ بالنظام واحترام الدور ، أو يعتقد أنه الأفضل ليتقدم عليهم .
لماذا يصر إنسان في تهنئته أو تعزيته على المصافحة الطويلة والتقبيل والاحتضان والتقاط الصورة التذكارية غير مكترث بصفوف المنتظرين لفترات زمنية طويلة ، وهي سلوكيات غير مقبولة شرعاً ولا عرفاً ؟!!.
لماذا لا يدرك المفرط في المصافحة والتقبيل أن جميع الحاضرين انتظروا أوقات طويلة لتقديم تهنئتهم وتعزيتهم ، بل يتسابق بعضهم مع الزمن كي يحضر موعداً أو مناسبة أخرى ؟!! .
لعل تجاوز النظام وتخطي الصفوف من شخص من عامة الناس أمر وارد ، لكن صدور هذا السلوك من شخصية اجتماعية أو دينية فهذا ما يتعجب الناس منه ، ويتوقفون عنده!! .
حينما يتجاوز رجل دين أو شخصية اجتماعية النظام ، ويتخطى الصفوف ، فهو يعطي حجة غير مقبولة للآخرين في تجاوز النظام وتخطى الصفوف ، وكأن حال بعضهم يقول : إذا أردتم أن تلزموني باحترام النظام والالتزام بالدور فألزموا هؤلاء بذلك !! .
حينما يحافظ رجل الدين أو الشخصية الاجتماعية على النظام ويقف كغيره في الصفوف ، فهو سلوك حضاري يجعله في موضع القدوة الحسنة ، ويُكبره في أعين الناس ، ويزيد من احترامهم له .
نشر ثقافة احترام النظام والالتزام بالدور في الأوساط الاجتماعية يتم من خلال التزام الجميع بها بلا استثناء أياً كانت صفته أو مكانته بذلك خصوصاً في مناسبات العزاء والفرح .
إن مبادرة المنتظرين في صفوف المهنئين والمعزين إلى فسح المجال لكبير السن والمريض لتقديم العزاء والتهنئة يدلل على رقي إنساني وخلق رفيع ، وقد بيّن الإمام السجّاد (ع) فقال : وأمّا حقّ الكبير فتوقيره لسنّه وإجلاله لتقدّمه في الإسلام قبلك ، وترك مقابلته عند الخصام، ( أي عدم محاججته ) ولا تسبقه إلى طريق ( فتجعله بذلك تابعاً لك ) ولا تتقدّمه ( أي تمشي أمامه ) ولا تستجهله ، (أي لا تعيره اهتماماً).
يعول على أصحاب المناسبات الاجتماعية نشر ثقافة الاحترام والاستئذان بين صفوف المنتظرين خاصة في تقديم الضيوف القادمين من الخارج ، أو من لديهم ظروف خاصة بالسماح لهم في التقدم على المهنئين والمعزين.
لنعلم أن تقديم أي إنسان سواء كان ضيفاً أو رجل دين أو شخصية اجتماعية في صفوف المعزين و المهنئين لايتم من خلال فرض الواقع على الناس ؛ بقدر جعلها قناعة اجتماعية يؤمنون بها .
الاكتفاء بالجلوس والاستغناء عن المصافحة أو الإفراط بالتقبيل والاحتضان ، أو برفع اليد أمام أصحاب المناسبة أثناء الدخول الخروج سلوك واع يقلل من ساعات الانتظار الطويلة التي يتحملها مئات المهنئين والمعزين .
اكتفاء أهالي البلد الواحد بالمشاركة الحضورية ، وتقديم العزاء لمرة واحدة يعطي مجالاً واسعاً للمعزيين القادمين من المناطق الأخرى لتقديم عزائهم وتهنئتهم بدل انتظارهم لفترات زمنية طويلة.
ثقافة التغيير للأحسن تأتي من المبادرات الاجتماعية الجادة التي تبدأ من التزامي أنا وأنت وهذا وذاك بالنظام واحترام الدور حينها تنتشر لتكون ثقافة اجتماعية سائدة بين الناس ، تدل على تمسكنا بعاداتنا الاجتماعية ، وقيمنا الدينية ، واحترامنا لبعضنا البعض ، ومظهراً من مظاهر التكاتف والتآزر ، والله يقول : { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
_________________________
وجدي المبارك
القطيف – الأوجام
1440-5-21