دينية

كلمة الجمعة لسماحة الشيخ حسين آل خميس

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي تسربل بالعز والوقار وجعل الحق للكون قرار والصلاة والسلام على المصطفى المختار وخيرة الله الجبار محمد وآله الاطهار الطيبين الطاهرين
(الحياة غايتها الحق)
قال الامام ابو عبد الله الحسين بن علي بن ابي طالب(ع)(الا ترون ان الحق لا يعمل به وان الباطل لا ينتهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله حقًا)
إن الله تعالى اوجد الحياة لإقامة الحق وعمارة العدل وافشاء الاحسان وهذا عين امر الله تعالى (إن الله يأمر بالعدل والاحسان) النحل|٩٠
وكذلك ينهى عما يخالف الحق وينقض العدل ويفسد الحياة (وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) النحل|٩٠
فالحياة ليست محط للفساد والفجور ومرتع للفواحش والمنكرات والبغي والعدوان والظلم والجور كما يحلو للبعض الذين يظنون ان الحياة انما هي لعب ولهو وفساد وسدى
مجانبين بذلك ومخالفين لما اراده الله من الحياة وفيها الا وهو الصلاح والاصلاح والعدل والقسط وتجنب الفسق والعصيان اذ ان الحياة الجميلة والطيبة التي تزين بالعدل وتحلى بالحق وتطيب بالعفة وتطهر بالنزاهة وتعلو بالفضيلة وحين تلوث بمكروبات الظلم والجور والخبائث والفواحش والرذائل والمعاصي وغير ذلك
يؤول الامر الى خرابها وفقدان قيمتها وذهاب معناها وسقوط جمالها ومن هنا يتطلب النهوض والتحرك نحو اصلاحها ومعالجتها واعادتها الى الوضع الذي رسم لها وحدد وان اقتضى الوضع الى التضحية والفداء والجهاد والعطاء وهذا انما يكون للحق والدين والعدل والشرع وليس للدنيا من حيث هي كظرف
اذ الدنيا ماهي الا ساحة فيها يتجلى الحق ويعلو وبه تنال الدنيا قيمتها وهذا ماقام به وفعله الامام ابو عبد الله الحسين بن علي(ع) حين لم يجد بدًا ولا مجالًا لنصرة الحق والدنيا الا بتقديم روحه فداء ونجاة للدين فعلها وهو ابن علي،وكما قال الشاعر المبدع :
فما رأى السبط للدين الحنيف شفًا
الا اذا دمه في كربلاء سفكا
وماسمعنا عليلاً لا علاج له
الا بنفس مداويه اذا هلكا

نعم لقد قدم الامام الحسين (ع) روحه ومهجته ودمه ليكون شفاءً وعلاجًا للاسلام وماجرى عليه من علة ومرض جراء عبث ووباء حثالة الجهل والشر المتمثلة في رأس الاجرام يزيد الاموي وقد قالها قبل ذلك ولكل انسان حر ومؤمن أبيّ وصالح غيور
اذا ما حدث في وقته مثل ماحدث في زمانه وقد ترك العمل بالحق وذهب الكل نحو الباطل ولم ينتهى عنه
ان يقدم روحه ونفسه لاجل الدين وسلامته راغبًا في لقاء الله تعالى وفي رضاه ورضوانه سالكًا بذلك مسلك مصباح الهدى وصاحب العطاء والفداء وذو العزة والاباء القائل(ع)(الا ترون ان الحق لا يعمل به وان الباطل لا ينتهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقًا)
فالرغبة الذي يشير اليها الامام الحسين (ع) وبعد تعطيل العمل بالاسلام والحق واحلال الباطل محله وعدم النهي عنه ان يتقدم بعطائه وسعيه وجده واجتهاده وتضحيته وجهاده مقدمًا بذلك روحه موطنًا على لقاء الله نفسه راغبًا مشتاقًا في لقاء ربه وكرامته كما صنعها واحدثها عليه السلام فأصبح بذلك رمزًا للتضحية والفداء ومثالًا للحمية والعطاء خلافًا لما يذهب اليه البعض في تمنيه الموت حين يرى حدود الذين معطلة واحكامه مهملة والباطل اعمدته مثبتة ومشيدة فيتمنى الموت ولقاء الله تعالى
غير ملتفت ومتوجه الى ماهو عليه من واجب ودور تجاه الدين من دفاع وسعي وموقف ومواجهة وذلك في سبيل العمل بالحق والحكم به والسعي في ابعاد الباطل والنهي عنه ومن هنا نقولها ان الحق يأخذ بالظهور ويظهر في سماء الوجود تحت ظل اناس اترعت نفوسهم بالصلاح وملئت قلوبهم بالهدى وغمست ارواحهم بالقيم فصاروا بذلك هم والحق والحق هم كما هو عليه انبياء الله ومن دونهم من اهل الحق والعدل ولا يبغون به بدلاً كما هو حال من رافق الحق وصحبه فصار مع الحق والحق معه وكان مع القرآن والقرآن معه إنه القرآن الناطق والامام الصادع بعد الامام الصامت وقد حالف القرآن ولزمه وبغى الحق ورافقه فصار بالحق والايمان مقرونًا كما هو وارد الشعر الولائي بحقه عليه السلام
قد حالف الحق لا يبغي به بدلاً
فصار بالحق والايمان مقرونًا
إنه امير المؤمنين وسيد الموحدين وحليف الحق والايمان علي بن ابي طالب(ع) وإنه سلطان الحق والذي تحت ظله يحيى الحق والعدل وتامن النفوس والسبل وينتهى عن الباطل والبغي
وهكذا تحت ظل اي سلطان وراعي حين يسلك هذا المسلك وهذا السبيل ينتهي الى استصلاح الزمان وعمارته كما قال رسول الله (ص)(اذا صلح السلطان صلح الزمان واذا فسد السلطان فسد الزمان) ويقول(ص) ايضًا(اذا تغير السلطان تغير الزمان )
فصلاح السلطان والتزامه بالحق والعدل داعيه الى التزام الرعية وصلاحها بل ويكون اثره اعظم من اثر القرآن ووقعه اذ يقول الرسول محمد(ص)(مايعمله السلطان اعظم مما يعمله القرآن)
وهذا انما يراد به السلطان الصالح والعادل والمتمسك بالحق والداعي اليه فيصير بهذا قرآنًا متحركًا وناطقًا وظل الله في ارضه على عباده
كما يقول الامام علي بن ابي طالب(ع)(السلطان العادل المتواضع ظل الله ورمحه في ارضه)
نعم الغاية العظمى والانشودة الكبرى من السلطنة والحكم هي اقامة العدل والعمل بالحق واصلاح الارض وعمارتها

نسأل الله المولى الكريم ان يوفقنا جميعًا للعمل بالحق واقامة العدل والسباق في ميادين وساحات الصلاح والاصلاح ومنابذة الباطل ومناجزته والنهي عنه ومقاطعته
إنه ربنا سميع الدعاء وهو على كل شيء قدير
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كلمة الجمعة ١٨|١|١٤٤٠هـ
الشيخ حسين مهدي آل خميس

زر الذهاب إلى الأعلى