كلمة الجمعة لسماحة الشيخ حسين آل خميس
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين بارئ الخلق اجمعين ومالك الملك بيده الخير وهو على كل شيء قدير والصلاة والسلام على الرحمة المهداه والبركة المزداه المصطفى محمد وآله الهداة الطيبين الطاهرين
(لكل زارع مازرع)
قال الامام ابو محمد الحسن بن علي العسكري (ع)(من يزرع خيرًا يحصد غبطةً ومن يزرع شرًا يحصد ندامةً ولكل زارع مازرع)
الزراعة اشارة ودلالة على العمل والسعي فأي كان هذا العمل والسعي فهو بمثابة الزرع والحرث الذي يرجى منه الانتاج والثمرة والريع والغمرة وكل يعمل على شاكلته ويسعى بما في خاطره فمن هو على سلك الخير والرشد يسعى وبكل جد في زراعة الخير وانتاجه وصناعة الاحسان وايجاده وفعل البر وافشاؤه والقيام بالصلاح واظهاره واما الذي يسلك مسلك الشر والسوء فهو متحادر ومتسافل في هوة الشر وصناعته وتعمير السوء وايجاده وفعل الفساد وبعثه
فالزراعة والعمل قبل ان يكون ويجري لابد وان يفكر الانسان طويلاً في نوع العمل وجنسه وقيمته وسلامته وصحته
فالبعض تراه يقدم على اي عمل دونما الالتفات الى نوع العمل وجنسه او قيمته ومعناه ومؤدّاه
اذ ان في بال هذا النوع من البشر هو العمل وحسب غير ملتفت الى صحة العمل او فساده،حسنه من سيئه وهذا التفكير يؤدي الى مالا تحمد عقباه ويكون الافساد اكثر مما هو اصلاح واما الذين نالوا البصيرة والرؤية السليمة والنظرة الثاقبة انما يقدمون على اعمال ومساعي فيها مافيها من الخير والاحسان وبها ينالوا الغبطة والسرور والبهجة والحبور
فأهل الزراعة وعمار الارض لهم مالهم من الاجر والثواب بمقدار مايكون من الثمر والانتاج
اذ يقول الرسول محمد(ص)( من غرس غرسًا فأثمر اعطاه الله من الاجر قدر مايخرج من الثمر)
والزراعة احب الاعمال الى الله تعالى اذ يقول رسول الله (ص)(مافي الاعمال شيء احب الى الله تعالى من الزراعة ومابعث الله نبيًا إلا زراعًا الا ادريس فإنه كان خياطًا)
ومن هنا فالكلمة الطيبة ضرب بها مثل بالشجرة الطيبة التي تؤتي اكلها كل حين لقوله تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (٢٤)تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) ابراهيم|٢٤-٢٥
نعم بمقدار ماتعطي الشجرة الطيبة من ثمر مبارك وطيب وعطاء حسن وجميل كذلك هي الكلمة الطيبة والحسنة ثمّارها طيبة وعطاؤها مبارك بل اعظم وارقى
اذ ان ثمار الشجرة فيه صلاح الابدان وغذائها وثمار الكلمة هي اصلاح النفوس هكذا ينبغي ان يكون التخطيط والتدبير وعلى خطين متوازيين في اصلاح شؤون الانسان من خلال توفير حاجاته الغذائية والاخرى الفكرية والعقلية وبهذا يقدم هذا المزارع خدمته الجليلة لبني جنسه لينعش بذلك جانبه الجسدي
وفي المقابل يقدم رديفه وشريكه،خدمته الاخرى لينعش بذلك الجانب الاخر من بني جنسه بغذائه وعطائه الروحاني والايماني وبهذا يقطف الانسان ثمرة عمله ومسعاه اذا ماكان في سبيل نفسه والآخرين ويحوز على التقدير الرفيع والتكريم العظيم الا وهي الغبطة والاكبار
وفي هذا يقول الامام الحسن بن علي العسكري(ع)(ومن يزرع خيرًا يحصد غبطةً ومن يزرع شرًا يحصد ندامةً ولكل زرع مازرع)
فزراعة الخير سواءً في ميدان الدنيا او في ميدان الدين نتيجته خير وبركة وغبطة على فاعله وصانعه
ومن هنا يقتضي من الانسان السوي ان يعتاد على فعل الخير ونشره وان يكف ويمتنع عن فعل الشر ويتركه ليحمي نفسه من عواقبه ونتائجه لأنه مهما نجى من آثاره في وقت من الاوقات الا انه سوف تعود عليه وترتد آثاره وان طال الوقت سواء في الدنيا او الآخرة وهذا القول المبارك للإمام العسكري يؤكد هذه النتيجة حين قال(ع)(ومن يزرع شرًا يحصد ندامةً)
وهذا الكلام يتوافق وقول القرآن الكريم(إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ)الاسراء|٧
ومحصل الكلام ان لكل زارع مازرع لان بمقدار مايقدم هذا المزارع من ثمار ونتاج للآخرين يعود نفعه وعظيم أثره عليه وان كانت استفادة كثيرة ينالها الآخرون من ذلك
وهكذا من يسعى في صناعة المعروف وزراعة الخير بين الناس يكون هو المستفيد الاول من فعله وسعيه لأن فعل الآخرين وصلاحهم وهدايتهم يكون بفضله وسعيه وبالتالي سيعود عليه ثواب واجر ماعملوا وقدموا ولا ينقص من عملهم شيئًا
وفي المقابل من يزرع ويفعل الشر والسوء ويضلل الآخرين او يظلمهم يعود عليه من الندامة والحسرة والعناء والعذاب
بمقدار ماصنع وقدم ولعله اشد واعظم
–
نسأل الله المولى الكريم ان يوفقنا لزراعة الخير وصناعة المعروف وفعل الاحسان والكف عن الشر والعدوان والاساءة والبهتان
إنه ربنا على كل شيء قدير والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
–
كلمة الجمعة ٨|٣|١٤٤٠ هـ
الشيخ حسين مهدي آل خميس