كلمة الجمعة للشيخ حسين آل خميس
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي لا يُغلب على امره ولا يقهر في ملكه ولا ينال في عزته
والناصر لرسله والمظهر لاوليائه والخاذل لأعدائه والصلاة والسلام على رحمة الله الواسعة وعطيته الشاملة الحبيب المصطفى محمد وآله الغرر الطيبين الطاهرين
(أذن واقم تعرف الغالب)
قال الامام ابو محمد علي بن الحسين السجاد (ع)(اذا دخل وقت الصلاة فأذن واقم تعرف الغالب)
قالها الامام زين العابدين علي بن الحسين السجاد(ع)
لما رجع الى المدينة بعد وقعة كربلاء وقد وقف عليه ابراهيم بن طلحة بن عبيد فقال متشمتًا: من الغالب؟
قال الامام(ع):اذا دخل وقت الصلاة فأذن واقم تعرف الغالب.
يمكن ان يكون الغالب في الظاهر مغلوب في الواقع والمغلوب هو الغالب في الواقع اذ ان الغلبة والانتصار ليس في حدوده الظاهرية والشكلية اذ ان الانتصار انما يكون فيما يتمثل في لباسه ومضمونه الجوهري وهو الوقوف على الاهداف العظيمة والغايات الرفيعة والمطالب السامية فإذا خرج من المواجهة بهذه الاهداف والغايات فقد انتصر ويعد غالبًا واما اذا خرج بمكاسب رخيصة ومنافع هابطة ومغانم تافهة فهو مغلوب ومهزوم وضعيف وان صارت له في الظاهر الغلبة والنصر على من يختلف معه والحال يختلف تمامًا في ساحة من ينتهي به الامر من وصوله الى اهدافه الكبيرة وغاياته العظيمة وان جرى عليه ماجرى في الظاهر من حدوث خسائر مادية وغيرها كالارواح والنفوس والدماء اذ ان هذه النفوس تكون منتصرة وغالبة مادامت اهدافها وغاياتها قد انتصرت هكذا هو النصر الذي فيه تفويت اهداف العدو والوصول الى الاهداف وإن فقدت الارواح والنفوس وهذا ماعمل به وعليه اصحاب الرسالات والاهداف المقدسة والغايات النبيلة والتطلعات النظيفة اذ ان المهم لديهم بقاء وانتصار مشروعهم السامي والإلهي وان تساقطت اجسادهم في الساحات لأنهم على يقين واطمئنان من بقاء وخلود قضيتهم ومشروعهم
واما من يكون مشروعه الامارة والسلطة والاستيلاء والتحكم
فإنه بمجرد وقوع الخسائر في صفه وفي ساحته وبعد ان دفع بمن دفع ممن هو اداة اليه فهو اول المنهزمين والهاربين لفقدان القداسة لما هو ذاهب اليه من مشروع ومسعى
اما صاحب المشروع المقدس مهما وقعت عليه من خسائر واصابات لا يزيده ذلك الا ثباتًا ومضيًا وعزمًا لعلمه وقطعه بحق وصدق قضيته فكم من الانبياء والرسل وخلفائهم والذين هم على سيرهم وسلوكهم قد تعرضوا لاشد المواقف واقسى المشاهد فإنهم لم يهنوا ولم ينكلوا بل صبروا وتحملوا وفي نهاية المطاف صار النصر من حليفهم والظهور لأمرهم والهلاك والخيبة لعدوهم
فهذا رسول الله (ص) وبعد ماعانَ من المصاعب والمتاعب والمواقف والشدائد وفي سبيل اقدس مشروع واعظم قضية وهو اعلاء كلمة التوحيد وابعاد لواء الشرك والشر واخراج الناس من الجهل والظلمات الى العلم والهدايات وتخليصهم من عبادة الاوثان والاصنام وعلى رأسها هبل الذي كان يدعو لاعلائة زعيم الشرك ابو سفيان بقوله يعلو هبل فكان الجواب من رسول الله (ع)(الله اعز واجل)
فكان العلو والارتفاع لله تعالى عز وجل ولدينه ولناصره ومن معه وضل الحال على هذا الوضع الى ان اتيح المجال وبه يطل صوت الشرك مرة اخرى وفيه نغمات الدعوة الى هبل
وعلى لسان حفيد داعية هبل يزيد اذ ان داعية هبل كان يقول يعلو هبل وحفيده يقولها بنغمة اخرى وفيها نفس المعنى الا وهي
لعبت هاشم بالملك فلا
خبر جاء ولا وحي نزل
فكان مؤدى هذه النغمة والتي سبقتها واحد وهي انكار الله والوحي والتعبد بهبل وغيره من دون الله تعالى فما كان من حفيد النبوة وداعية التوحيد بعد جده وابيه الا ان يعلنها مدوية في وجه الجهل والشرك كما اعلنها جده من قبل ويحدث بعدها نصرًا وفتحًا كما احدثها وحققها جده رسول الله (ص) وهو يقول(ع)(من لحق بنا استشهد ومن لم يلحق بنا لم يشهد الفتح)
فخاض غمار المواجهة وواجه فلول الشرك والالحاد وكشف زيف الكذب والافتراء وهتك ستر الكفر والنفاق
الى ان لاقىَ ربه وهو شهيد وقد وصل الى ما يبتغي ويريد وهو حفظ دين الله تعالى والابقاء على راية الاسلام عالية خفاقة وجعل كلمة التوحيد والوحي ثابتة وشامخة وهذا هو الفتح الذي يعنيه ويقصده وان كلفه ذلك ان يستشهد ويقتل
وقد فوت بذلك على عدو الله والوحي غرضه وهدفه وهو انكار الوحي والدين وصار بذلك غالبًا ومنتصرًا وان غلب وقتل جسدًا وعدوه هو المغلوب والمهزوم وان غلب ظاهرًا وشكلاً فالمعيار والمقياس في حقيقة النصر والغلبة او الهزيمة والانكسار هو في انتصار المشروع واهدافه او العكس
فالإمام الحسين كان مشروعه وهدفه التوحيد والدين فكان بذلك غالبًا ومنتصرًا والطرف الآخر كان مشروعه وهدفه الاطاحة بالدين واسقاطه واعادة الامة الى الجاهلية التي كانت عليها فما كان منتهاه الا الفشل والهزيمة وهذا ما ابانه وكشف عنه صاحب العلم اليقين حافظ وحامي نهضة ابيه الامام علي بن الحسين السجاد(ع) حين سمع من ذلك الشامت والمعتوه الا وهو ابراهيم بن طلحة بن عبيد وهو يقول: من الغالب ؟
فكان الجواب من الامام زين العابدين (ع) (اذا دخل وقت الصلاة فأذن واقم تعرف الغالب)
نعم انما كان قصده من هذا الجواب ان الغالب والمنتصر هو من انتصر للتوحيد والوحي وهو من قُتل ظلمًا وعدوانًا والمغلوب والمهزوم هو من اراد بالتوحيد سوءً وعدوانًا والذي من فك سيفه من الفتك بالتوحيد كما ورد على لسان الشاعر الصادق :
لئن جرت لفظة التوحيد في فمه
فسيفه بسوى التوحيد مافتك
وهكذا قضى الامام السجاد بعد ابيه حياته من اجل هذه النهضة والدعوة وحفظها وبكل ما اوتي من قدرة وعزم وارادة وبسالة فهو على الدوام في ذكر وتذكير واستحظار لأبيه واهله وانصاره وكل ذلك في سبيل الوقوف على تلك الاهداف والغايات التي من اجلها قتل واستشهد الامام الحسين(ع)
وليس فقط ذكر الامام الحسين(ع) في حدود الحزن والاسى والعبرة والدمعة وان كان هذا مطلوبًا كما فعله الامام السجاد(ع) وغيره من اهل بيت النبوة واحبابهم
فما كانت هذه العبرة والدمعة الا وهي مسلحة بالعزم والاصرار على الانتصار لمشروع الامام الحسين (ع) وهو ان نقيم الدين والحق في انفسنا وفي ساحاتنا وهذا هو معنى الغلبة والانتصار
–
نسأل الله العلي القدير ان يوفقنا للعمل بدينه والانتصار له والسعي لرفع رايته عالية وان يجعل الكبت والهزيمة بمن يريد بالدين شرًا
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الكرام الطيبين الطاهرين
–
كلمة الجمعة ٢٥|١|١٤٤٠ هـ
الشيخ حسين مهدي آل خميس