دينية

كلمة الجمعة للشيخ حسين آل خميس

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي جعل الشمس نورًا والقمر ضياءً والحسين مصباحًا للهدى وسفينةً للنجاة وللرسول روح وريحانة والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وليس في الخلق مثله حبيب رب العالمين ابي القاسم محمد وآله الاطهار الميامين الطيبين الطاهرين
(لقتل الحسين حرارة لا تبرد ابدًا )
قال الرسول الاعظم محمد (ص) (إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد ابدًا )
الحرارة كما هو معلوم اما ان تكون معتدلة او منخفضه او مرتفعة فإذا ما كانت منخفضة تعالج حتى تعود الى وضعها الطبيعي وهو الاعتدال وكذلك اذا ماكانت مرتفعة يكون السعي في خفضها لتعود الى وضعها الطبيعي
وهذا وذلك اذا ماجرى انما ينم ويكشف عن خلل وعارض يقتضي المعالجة وازالة العارض وآثاره وهذا انما يقع في الامور المادية كالاجساد وغيرها ممن تتأثر بالحرارة او البرودة في ارتفاعها او انخفاضها
اما في ميدان الروح والقلب كلما ارتفعت الحرارة كلما كان الحال في احسن
فالروح والقلب المتوهج بالايمان وحرارته انما يكون دليل وداعية على الصحة والتمام بخلاف الامور المادية التي حين تتعرض الى حرارة مرتفعة تؤدي الى عطب وهلاك وانتهاء
فالقلوب والارواح العامرة بحرارة الايمان انما تعيش ذروة حيويتها وقوتها ونشاطها وتألقها على خلاف ذلك حين تكون في هبوط وانخفاض وانعدام للحرارة فهي بذلك تنحى نحو الضعف والخمول والسقوط والتردي والجفاء
نعم الارواح والقلوب التي تنعم وعلى الدوام بحرارة الايمان يكون حالها في نهوض وارتفاع وقوة ونشاط لا فتور فيه ولا انخفاض
انها الحرارة التي احدثها حب الحسين في النفوس ولا سيما نفس جده رسول الله (ص) الذي طالما كانت نفسه مترعة بحب الحسين الى ان اعتبره منه وهو منه اذ يقول الرسول(ص)(حسين مني وانا من حسين)
وصعد بصوته ودعاءه طالبًا من الله تعالى ان يمن بحبه بمن احب حسينًا بقوله (ص)(اللهم حب من احب حسينًا )
هكذا يمكن ان يكون الانسان مهيئًا من ان يكون من اهل محبة الله تعالى ورضاه والحب الذي ينبغي ان يكون للحسين (ع) هو الذي تتمثل فيه روح ومعنى الحسين
اي نهج ومبدأ وسلوك واخلاق الحسين التي هي في ثوبها تمثل منهج وسلوك واخلاق الاسلام العالية والتي كانت ظاهرة ومسفرة ومتجلية بتمامها في مقام جده وابيه وامه واخيه (ص)
فحب الحسين انما يكون تامًا ومتكاملاً حين يظهر بوجهيه الظاهري والباطني الشكلي والجوهري
ومن يحب الحسين ويتفجع ويتألم ويحزن لمصابه وماجرى عليه انما لانه ادرك ظاهرًا مقام الحسين وعظمته ولذلك تأثر وتألم وحزن وتفجع
ولكن بقي ان يرتقى الى ماهو اعظم واكمل من الادراك والاستيعاب لمقام الامام الحسين(ع) الا وهو الوقوف على تلك الجوانب العظيمة والمقامات الرفيعة والمراتب العالية من علم وعمل وادب واخلاق ومساعي حميدة وايادي جليلة واهمها واعظمها الحرص في الحفاظ على الاسلام والوقوف وبكل حزم وعزم في سبيل سلامة وصون الاسلام وبقائه وهذا مافعله جده رسول الله وابوه(ص)
وبهذا يكشف الامام الحسين عن ذلك المقصد والمعنى من قول جده (ص)(حسين مني وانا من حسين)
اذ ان الحسين من رسول الله نسبًا ورحمًا وهذا واضح وبيّن
واما يكون رسول الله من الحسين انما يكون عبر السلوك والمواقف والروح التي قد حملها الامام الحسين (ع) هي ذاتها التي كانت ماثلة في مقام رسول الله (ص)
وبالخصوص في الوقفة التي فيها مواجهة العدوان والجور على الاسلام كما فعلها رسول الله (ص) مع تلك الوحوش الكاسرة والفراعنة المتجبرة الى ان خلص بظهوره عليهم وبالتالي سلامة الاسلام وانتصاره وهكذا فعلها حفيده وريحانة قلبه الامام الحسين مع حثالة الشرك والكفر والنفاق والجور والعدوان وقد انتصر عليهم وفوت عليهم ماكانوا يسعون اليه وهو اطفاء نور الاسلام والقضاء عليه
وان كان كلفه قتله وشهادته اذ ان هذا القتل ليس بموت وانما هو حياة وبقاء وتجدر وخلود بخلاف ماكان يظنه او حتى يقطع به العدو
لان من يقتل من اجل دينه وعقيدته لابد وان يكون منصورًا وغالبًا وخالدًا
وعدوه القاهر والغالب في الظاهر هو الخاسر والمنهزم والمغلوب
وهذا ما اوضحه هذا الشاعر المبدع بقوله :
ظنوا بأن قتل الحسين يزيدهم
لكنما قتل الحسين يزيد

فالحياة الخالدة والدائمة هي لمن يقتل في سبيل الله تعالى وفي سبيل الحق
والقاتل وان بقي شيء من الزمان الا انه هو الزائل والفاني
والله تعالى يعطي الضمانة في البقاء والحياة لعباده الذين يقدمون انفسهم فداءًا لدينه وحفظًا لشرائعه كما قالها الله تعالى في كتابه المجيد (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ). ً
آل عمران|١٦٩
نعم الشهداء عند ربهم ليس فقط احياء وانما ايضًا مرزوقين ومكرمين ومعظمين ومخلدين واهم ما يكون من الكرامة والتعظيم هو دوام ذكرهم وحضور مقامهم في نفوس اهل الايمان
كما هو شأن الامام الحسين الشهيد (ع) وهذا ما اشار اليه رسول الله(ص) بقوله (ان لقتل الحسين في قلوب المؤمنين حرارة لا تبرد ابدًا)
وماهذه الحرارة الا بالتأثر لمصاب الحسين والحزن عليه والتأثر به والسير على هداه والتمسك بنهجه والجري على خطاه من الصلاح والاصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والسير على سيرة الرسول (ص) وعلي كما فعل(ع)

نسأل الله المولى الكريم ان يجعلنا من احباب الحسين والسائرين على نهجه وهداه والسالكين مسلكه وخطاه
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كلمة الجمعة ٤|١|١٤٤٠هـ
الشيخ حسين مهدي آل خميس

زر الذهاب إلى الأعلى