كلمة الجمعة لسماحة الشيخ حسين مهدي آل خميس
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي وسع علمه كل شيء وهو اللطيف الخبير السميع البصير
والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين
(الصادق جعفر عالم الإمة وصادق الأئمة)
قال الامام ابو عبد الله جعفر بن محمد الصادق(ع)(افضل العبادة العلم بالله والتواضع له)
ما اجمل بالانسان ان يتمثل بالعبادة والطاعة لله تعالى قبال مامن عليه بالخلق والوجود وان يكون قريبًا من ربه منيبًا متذللاً حامدًا شاكرًا لينال منه العز والكرامة ويحضى بالفخر والسلامة
وأصل العبادة العلم ولا عبادة الا بعلم ولا علم الا بطاعة اي حين نريد العبادة ونسعى اليها لابد اولاً وقبل كل شيء ان نكون على مستوى متقدم من العلم والمعرفة والاحاطة ليكون بذلك الاطمئنان واليقين بصحة هذه العبادة والطاعة
وكذلك حين نكون على علم ومعرفة لابد من تجسيد هذه المعرفة على ارض الواقع وذلك عبر العمل والفعل والتطبيق والتجسيد
هكذا يكون العمل والعبادة حين تكون على وفق بصيرة ومعرفة وتكون البصيرة حقة وصادقة حين تكون مقرونة بالعمل والعبادة والتجسيد والالتزام
اذ ان العمل الذي لم يكن مرتكز ومنبثق عن بصيرة ومعرفة لا يزيد صاحبه الا بعدًا عن الطريق وكذلك هو الحال من كانت لديه علم ومعرفة ولكنه لا يعمل على وفقها فحاله كحال من لم يعلم
اذ ان العلم هو ما يتحقق على ساحة الوجود وميدان الحياة
وهذا ما أكده الامام جعفر بن محمد الصادق(ع)حين قال(العامل على غير بصيرة كالسائر على غير طريق فلا تزيده سرعة السير الا بعدًا)
نعم بالبصيرة يهتدى الى الطريق الصحيح وينتهى الى الدرب السليم
ومنها الى العمل والاسراع بالمباشرة وبه يكون القرب والاطمئنان
نعم العمل والطاعة والعبادة لهم مالهم من الفضل والاجر والثواب
ولكن ماهو افضل واعظم اجرًا
هو العلم والمعرفة الذي يحمل في جنباته الدعوة الى العمل والذي ايضًا يكون به اليقين والتأكد من صحة هذا العمل وسلامة تلك العبادة
كما يقول الامام الصادق(ع)(افضل العبادة العلم بالله والتواضع له)
فالعلم بالله يتجلى في معرفته ومعرفة مقامه وجلال قدرة وقدرته وتدبيره للكون وعظيم صنعه في الوجود
وكذلك تتمثل المعرفة بالله في الوقوف على دينه ومعرفة احكامه وشرائعه والسعي بعد ذلك في تطبيقها والعمل بها والالتزام بمحتواها
وبعد العلم والمعرفة والانتهاء الى روح ولب هذه المعرفة والعلم الا وهو الوقوف تواضعًا وتذللاً بين يدي الله تعالى بالعبادة والطاعة والخشوع والانابة
اذ اجدر واولى الناس بالخشية والاخبات والرهبة والخوف من الله تعالى هم اهل العلم والمعرفة كما يقول الله تعالى في كتابه الكريم (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ )فاطر|٢٨
وكذلك يقول الرسول (ص)(من كان بالله اعرف كان منه اخوف)
وهذا ماظهر وبان من رائد العلم وينبوع الحكمة ومعلم الامة وصادق الائمة اذ انه هو الصادق في قوله وفعله وفي منطقه وموقفه ووعده ووفائه
اذ انه في علمه وحديثه وقوله ومنطقه وفعله وسلوكه هو تمامًا نفس العلم والسلوك الذي كان عليه آباؤه واجداده انتهاءً برسول الله(ص) وفي ذلك يقول (ع)(حديثي حديث ابي وحديث ابي حديث جدي و حديث جدي حديث علي وحديث علي حديث رسول الله وحديث رسول الله حديث الله)
وبهذا الحديث والقول كان سلوكه وسيره
اذ بعد هذا الميراث العظيم من العلم والمعرفة التي حصل عليها من طرف آبائه واجداده نزولاً الى ساحة جده رسول الله وربه تعالى فما عساه ان يكون الا كما كانوا ويصير كما صاروا من العلم والمعرفة والعمل والعبادة وان يكون معلما ومربيا لهذه الامة وراعيا نهضتها ومديرا شؤونها
وهكذا نالت هذه الامه الحظ الوفير والعطاء الكثير من بحر علمه وكنوز حكمته وواسع عطائه وعريض جوده
وقد ملأ الدنيا علمه وفقهه كما يقول الجاحظ
وكذلك يقول احمد بن حجر الهيثمي:
(جعفر الصادق (ع) نقل الناس عنه من العلوم ماسارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان)
فما كان قصده (ع) من نشر هذه العلوم وبثها الا الهداية لهذه الامة والاخذ بها نحو ركب التقدم والازدهار والنهوض والارتقاء والصحوة والصلاح
فهو بانطلاقته هذه صنع ووجد رجالات علم ومعرفة وصلاح وحملة رسالة
ليكونوا مشاعل نور وهداية لهذه الامة وسائر الامم ودعاة خير وصلاح
وذلك من خلال ما افرغه وبثه عليهم من واسع علمه وكنوز معرفته وحسن صنيعه وتربيته وتهذيبه وتأديبه وقوله وتوجيهه كما قال (ع)(كونوا لنا زينًا ولا تكونوا علينا شينًا)
فالانسان المحب لأهل بيت الرسالة بعلمه وعمله وسلوكه وحسن سيره يصير زينة وسرور لهم(ع)
فمن هنا يجدر بهذه الامة ان تعود وتحط برحالها وركابها في ساحة هذه المدرسة العظمى وهذه الحاضرة الكبرى الا وهي مدرسة اهل بيت النبوة والرسالة التي فيها تعيد هذه الامة عزها المجيد ومجدها التليد
–
نسأل الله العلي القدير ان يجعلنا من المتمسكين والسائرين على هديه وهدي نبيه واهل بيته الاطهار (ع)
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
–
كلمة الجمعة ٢٩|١٠|١٤٣٩ هـ
الشيخ حسين مهدي آل خميس