كلمة الجمعة : الشيخ حسين آل خميس
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي اوصل عباده بعبادته وقربهم بطاعته واكرمهم بعنايته والصلاة والسلام على صاحب المكارم والمقام والهادي للخير والسلام
المصطفى من بين الانام محمد وآله الطيبين الكرام الطاهرين من الآثام
(الصيام بين الحكم والحكمة)
سئل الإمام ابو عبد الله الامام الحسين بن علي (ع)
لم افترض الله عز وجل على عبده الصوم ؟
فقال (ع)؛(ليجد الغني مس الجوع فيعود بالفضل على المسكين)
من المهم الاهتمام بالاحكام والتعرف عليها ثم السعي في تنفيذها والعمل بمقتضاها والتجسيد لها على ساحة الوجود وبروح ملؤها الرغبة في القرب والارتقاء لساحة القداسة لقوله تعالى(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) الواقعة|10’11
نعم انه امر عظيم وجليل ولكن ماهو اعظم واجل ان يذهب صاحب هذه المعرفة والعمل الى المعنى والمقصد الابعد لهذه الاحكام والتشريعات وهو التحليق والارتقاء الى لباب وروح هذه الفرائض والاحكام بعد تثبيت وجودها والعناية بها والتمسك بشكلها وظاهرها والرواح الى مقصدها ومعناها وروحها ليتحقق بذلك الهدف الاسمى والمقصد الاعلى
لان الوقوف على الاحكام في حدودها الظاهرية والشكلية لا يتوصل بها الى ماجعلت اليه من مطالب ومهام بعيدة المدى وواسعة الفضاء الا باحداث نقلة نوعية وايجاد عملية تقنية فيها يتحقق معنى الصيام الكائن بين حكمه وحكمته
فالصيام من حيث حكمه هو الوجوب والكتب والفرض كما سطره وسجله الباري الجليل في كتابه العزيز وقال
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة|183
نعم فالحكم بالصيام وكتابته لم يقصر في محيطه وحدوده كواجب وحسب وانما ذهب الى ماهو ابعد واقصى اي الى الحكمة والعناية بعد ذلك الحكم فالصيام له ماله وفيه مافيه من الغايات والمقاصد والمطالب اهمها وابرزها: المساواة بين طبقات المجتمع غنية وفقيرة وفي ذلك يقول الامام الصادق (ع)(اما العلة في الصيام ليستوي به الغني والفقير وذلك لان الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير،لأن الغني كلما اراد شيئا قدر عليه فأراد الله عز وجل ان يسوي بين خلقه وان يذيق الغني مس الجوع والالم ليرق على الضعيف ويرحم الجائع)
وكذلك قال الامام الحسن العسكري (ع) في جوابه على سؤال لم فرض الله الصوم؟
(ليجد الغني مس الجوع فيمُّن على الفقير)
وكذلك قال الامام الحسين بن علي(ع) حين سُئل لم افترض الله عز وجل على عبده الصوم؟
قال (ع)(ليجد الغني مس الجوع فيعود بالفضل على المسكين)
هكذا هي ارادة الله وحكمته من تشريعاته واحكامه لتعود بالخير والنفع على عباده وتحدث رباطًا واتصالاً فيما بينهم وبالتالي ينعمون تحت ظل رحمة وبركة هذه الاحكام وماتثمره من نفوس رحيمة وقلوب سليمة وارواح عطوفة وايدي كريمة
وكذلك ماتحويه هذه الفريضة من مقاصد وغايات الوقاية والحماية وفي جانبين من جوانب الانسان الصائم الا وهما:الجانب الجسمي،الجانب النفسي
اذ ان بالصيام يتمكن الصائم الخلاص من امور يمكن ان تكون سببًا في تردي صحته وسلامته
وكذلك بالصيام يتمكن ان يتخلص من اشياء تحيط بنفسه او هي متفلفله وضاربة بجدورها
فالصيام يحقق لصاحبه السكينة والاطمئنان والراحة القلبية والنفسية وبالتالي الانعتاق والتحرر مما اصاب هذه النفس
وكذلك ينال الصائم الصادق تحرره وانعتاقه من النار والشقاء وهذا معنى قوله تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة|183
فالتقوى هي الغاية العليا والثمرة الجليا من الصيام اذ به يتقي النار وينجو منها ويصير الى رضوان الله وجنانه واكرامه وانعامه
هكذا ينبغي التعاطي مع احكام الله تعالى وتشريعاته من ادراك هذا المعنى التي تتضمنه وتحويه من مصالح في الحياة الدنيا وثمرات وعواقب طيبة وحسنة في دار الخلود والبقاء
–
نسأل الله العزيز الحكيم ان يوفقنا للصيام كما يبتغي ويريد ليتحقق لنا مانبتغي ونريد من سعادة الدارين
إنه ولي التوفيق والهادي الى الرشاد
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الكرام الطيبين الطاهرين
–
كلمة الجمعة 9|9|1439 هـ
الشيخ حسين مهدي آل خميس