مقالات

الصداقة الإيجابية

الصداقة الإيجابية

رضي منصور العسيف

سألت أبي ذات مرة عن سبب وجود (فلان) في صفوف المعزين، هل هو قريبهم؟!
فأجابني إن علاقته بأحد أبناء المرحوم هي علاقة أخوة، علاقته علاقة قوية منذ الطفولة، يشاركهم في جميع المناسبات، علاقته تتسم بالمحبة والمودة، وكما يقول الإمام علي (عليه السلام): الصديق أقرب الأقارب (1). ويقول الإمام الكاظم عليه السلام: صحبة عشرين سنة قرابة (2).
هناك علاقة صداقة يمكن أن نطلق عليها بالصداقة الإيجابية وهي من أرقى العلاقات فهي قائمة على ارتباط الأشخاص بالحب والود والتآلف بين الأرواح والأفكار، والتقارب بين بعضهم البعض في شتى مجالات الحياة.
وهذه الصداقة تتسم بعدة سمات نذكر منها:

الصداقة والحب
الحب ليس أن يقول لك أحدهم كلمة جميلة أو إطراء جميل وإنما يتعدى ذلك لأن تكون العلاقة بين الشخصين هي علاقة أرواح شفافة تربطها مع بعضها رابطة صلة قوية، وتجعل قربهما مصدر راحة وسعادة دائمة.
ولذلك ففي الصداقة علينا أن نملأ قلوبنا حبًا للطرف الآخر ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما تحاب اثنان في الله تعالى إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه (3).
والحب ليس عبارات وكلمات بل هو مشاعر وطاقة داخلية في ذات الإنسان، ويمكنك معرفة قوة هذه الطاقة من خلال اختبار ذاتي انظر إلى مدى حبك لصديقك من خلال المكانة التي يحتلها في قلبك، كما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): اعرف المودة لك في قلب أخيك بما له في قلبك (4).

الحدود الأخلاقية
قال الإمام الصادق (عليه السلام): لا تكون الصداقة إلا بحدودها، فمن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منه، وإلا فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة، فأولها: أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة، والثانية: أن يرى زينك زينه، وشينك شينه، والثالثة: أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال، والرابعة: لا يمنعك شيئا تناله مقدرته، والخامسة – وهي تجمع هذه الخصال -: أن لا يسلمك عند النكبات (5).
تبقى الصداقة تنمو وتثمر في حديقة الأخلاق، فهي تتألق في السماء حين تسقى بخلق المحبة والتواضع والوفاء والإحسان، وحين تراعى الحدود الأخلاقية فإن هذه الصداقة تبقى متقدة تؤتي ثمارها اليانعة.

التواصل الإيجابي
من يعي مفهوم الصداقة الإيجابية فإنه يبقى محافظًا على علاقة التواصل، فلا يدع فرصة للتقاطع والهجران، لا يدع المسافات تتسع والقلوب تتنافر، بل يسعى دائماً ليكون حلقة الوصل الإيجابي، كما يقول الإمام علي (عليه السلام): لا يكونن أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته، ولا تكونن على الإساءة أقوى منك على الإحسان (6).
وإن حدث خلل ما فإن الصديق الإيجابي يبقى محافظاً على آلية ما يُعيد العلاقة إلى وضعها الحقيقي،
فعن أمير المؤمنين (ع) “إن أردت قطيعة أخيك فاستبقِ له من نفسك بقيّة يرجع إليها إن بدا له ذلك يوماً ما”)7)

لا تكن مدقق حسابات
ورد عن الإمام علي (ع): “احتمل أخاك على ما فيه” (8)
صديقك ليس نسخة طبق الأصل منك، له تفكيره الخاص به كما له آليات العمل التي يعتقد ويؤمن بها، ويمكن ممارسة حياته الاجتماعية بالمعادلات التي تتناسب معه، فلا تنظر له بمنظارك الخاص وترى أن عليه أن يتوافق معك في كل صغيرة وكبيرة.
ومهما حدث من زلات وهفوات صغيرة فعليك أن تتجاوز عنها، وكما يقول الإمام علي (عليه السلام): إن العاقل نصفه احتمال، ونصفه تغافل (9).
إن التدقيق والمحاسبة وعدم التجاوز من شأنه أن يملأ النفوس بالسلبية ومن ثم تفقد الصداقة رونقها وعبيرها.

دعم النجاحات
من سمات الصداقة الإيجابية أن ننظر للنجاح بمنظار أوسع فنجعل نجاحاتنا متاحة لأصدقائنا، ومن ذلك إتاحة حق الفرح والافتخار بها، بوصفها نجاحات لهم (هم) وليست حصرية لصاحبها. كما ينبغي أن ننظر إلى نجاحات أصدقائنا كطاقة إيجابية من شأنها صنع سلاسل نجاحات مستمرة.
عليك أن تبحث عمن يبعث فيك قوة النجاح، إنه كما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): المؤمن منفعة، إن ماشيته نفعك، وإن شاورته نفعك، وإن شاركته نفعك، وكل شئ من أمره منفعة (10).

الصداقة والمتعة
هل أنت مستمتع مع صديقك؟
الصداقة الإيجابية هي التي يستمتع فيها الأصدقاء، ولكن حين تتحول الصداقة واللقاءات إلى محطات من الهموم والسلبية والنظرة السوداوية فإنها تتحول إلى صداقة قاتلة، تقتل فيك الروح وتسلب منك البهجة، وعليك أن تهرب من هذه الصداقة كهروبك من الأسد.
يقول الإمام علي (عليه السلام): احذر مجالسة قرين السوء، فإنه يهلك مقارنه، ويردي مصاحبه (11).

أخيرًا: راجع مفهوم الصداقة لديك، وهل صداقاتك المختلفة هي صداقات إيجابية أم أنها مجرد علاقات عادية؟!
هل لديك صديق إيجابي يتصف ببعض هذه الصفات؟! عليك أن تتمسك به …

الهوامش:
1 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٢ – الصفحة ١٥٨٢
2 ) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٧٥ – الصفحة ١٧٢
3 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ١ – الصفحة ٥١٤
4 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ١ – الصفحة ٤٢
5 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٢ – الصفحة ١٥٨٩
6 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ١ – الصفحة ٤٣
7 ) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج71، ص168.
8 ) الواسطي، علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ، ص 79.
9 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٣ – الصفحة ٢٢٨٧
10 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ١ – الصفحة ٢٠٧
11 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٢ – الصفحة ١٥٨٣

اترك تعليقاً

نص التعليق

زر الذهاب إلى الأعلى