مقالات

الإمام الحسين …مهارات قيادية وإدارية

رضي منصور العسيف

ملحمة عاشوراء هي ملحمة نادرة في التاريخ، تجلت فيها أعظم الدروس والعبر ، منها الدروس الروحية والأخلاقية والتربوية والعسكرية والإدارية.
استطاع الإمام الحسين (عليه السلام) أن يوظف جميع الفنون في هذه الملحمة، ومنها فنون ومهارات الإدارة وفن التعامل بين القائد والأتباع، والقدرة على تشكيل فريق (الأنصار) مميزًا .
وهنا أود إبراز بعض المهارات القيادية الإدارية التي تجلت في عاشوراء:

القائد والثقة بالأهداف
لا يمكن لأي قائد أن ينجح في عمله ما لم يمتلك أهدافًا واضحة، ومحبًا ومؤمنًا وعلى ثقة كبيرة بها.
وهكذا كان الإمام الحسين (عليه السلام) على ثقة بأهدافه، ومؤمنًا برؤيته لم تؤثر فيه الضغوط والعقبات بل كان ممسكًا بهدفه ومنطلقًا نحو تحقيقه.
كما كان الإمام علي (عليه السلام) قائدًا مؤمنًا بأهدافه حين قال: “أللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّه لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ، ولَا الْتِمَاسَ شَيْءٍ مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ، ولَكِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ، ونُظْهِرَ الإِصْلَاحَ فِي بِلَادِكَ، فَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ، وتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ”(1).
وعلى نهجه سار الإمام الحسين (عليه السلام) فهو القائل: ” وأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في امّة جدّي (صلى الله عليه وآله)…”(2).

الحسين شخصية حافزة محفزة
قال الإمام الحسين (ع): “والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر لكم إقرار العبيد”(3).
شخصية الإمام الحسين (ع) تختزن بداخلها حافزًا وروحًا منطلقة نحو الكمال، روحًا متحدية للفساد، روحًا ثابتة على الحق ورفض الباطل.
شخصية الإمام الحسين (ع) كانت متحفزة وحافزة لمن حولها، كان له تأثير لمن حوله، يبث فيهم روح الصبر والشجاعة.
كما أنه (ع) شخصية قيادية ملهمة يلهم الآخرين ليتبعوه في مسيرته ويساعدهم على التركيز نحو تحقيق هذه الأهداف المقدسة.

ولأن الحسين كان رائد إصلاح، كان لابد له من صناعة (فريق ) أنصار مميزون ولذا استخدم (عليه السلام) أرقى أساليب الإدارة في قيادة هذا الفريق والتي منها:

استقطاب الكفاءات
قال الإمام الحسين (ع): “فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي”(4).
أولى الإمام الحسين عناية خاصة باستقطاب الكفاءات المميزة لمعسكره، فكان في معسكره مجموعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأتباع الإمام علي (ع) كـ: “أنس بن حرث الكاهليّ وحبيب بن مظاهر الأسدي وعبد الرحمن بن عبد ربّ الأنصاريّ الخزرجيّ..وغيرهم”
وعند التأمل في صفات أنصار الإمام الحسين عليه السلام نجدهم يتمتعون بالشهامة والعلو والرفعة والسمو، ونفوس طاهرة وأجساد مطهرة وقلوب خاشعة وعيون دامعة، وضمائر حية وأفكار سليمة وإيمان قوي وجأش رابط وثبات دائم وعزيمة قوية وفروسية وصدق وإخلاص ووفاء وإيثار وسخاء ومولاة وبراءة، وبصر وبصيرة، وتواضع وشرف وزهد وعبادة، فهم السابقون السابقون إلى نصرة الحسين (ع).

العلم بآخر التطورات في الساحة
من الأساليب القيادية التي استخدمها الإمام الحسين (ع) مع أصحابه أنه كان يطلع أصحابه على آخر التطورات، فبعد استشهاد مسلم بن عقيل (ع) قال الإمام الحسين (ع):
أمّا بعد فإنّه قد أتانا خبر فظيع: قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف، في غير حرج، ليس عليه ذمام (5).
وكان واضحًا في خطابه إضافة إلى استخدامه اسلوبًا آخر وهو عدم إجبار الأخرين على متابعة المسيرة، فكان لهم الحرية في البقاء أو الانصراف وهذا أسلوب يعزز من مكانة القائد في نفوس اتباعه.
ولذلك نجد بقاء الفئة الخالصة المخلصة من الأصحاب مع الإمام الحسين (ع) حيث جاء في الرواية: فتفرّق الناس عنه، وأخذوا يميناً وشمالاً حتى بقي في أصحابه الذين جاؤا معه من المدينة، ونفر يسير ممّن انضمّوا إليه (6).

نهضة المساواة
عندما سقط جون مولى أبي ذر شهيدًا في أرض كربلاء دعا له الإمام الحسين (عليه السلام) بعد مصرعه بهذا الدعاء: (اللَّهُمَّ بَيِّض وجهه، وطَيِّب رِيحه، واحشره مع الأبرار) (7).
لقد مارس الإمام الحسين (ع) جميع مراسيم تشيع الشهداء بشكل موحد ولم يميز بين شهيد من أهل البيت وآخر من الأصحاب وثالث من الموالي ضاربًا بذلك أروع الأمثلة في المساواة بين الأصحاب ورفض كل ألوان التفرقة والعنصرية.
إن سيادة قيمة المساواة بين الأصحاب جعل من نهضة الإمام الحسين (ع) نهضة المساواة.

التنافس بين الأصحاب
ما أروعها من مشاهد …
في يوم عاشوراء كان هناك تسابق لا مثيل له بين الأصحاب جميعهم … كل واحد منهم يرغب في أن يكون هو الأول فيمن يستشهد بين يدي الحسين (عليه السلام).
لمّا كان يوم عاشوراء ونشب القتال تسابق أصحاب الحسين (عليه السلام) إلى القتال، فكان كل من أراد الخروج ودّع الحسين (عليه السلام) وقال: السلام عليك يابن رسول اللهّ فيجيبه:
وعليك السلام ونحن خلفك، ويقرأ (عليه السلام): (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً) (8).

الهوامش:
1 ) نهج البلاغة/تحقيق صبحي الصالح/ص189.
2 ) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٤٤ – الصفحة ٣٢٩
3 ) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٤٥ – الصفحة ٧
4 ) الإرشاد – الشيخ المفيد – ج ٢ – الصفحة ٩١
5 ) الإرشاد – الشيخ المفيد – ج ٢ – الصفحة ٧٥
6 ) المصدر السابق.
7 ) قادتنا كيف نعرفهم.
8 ) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٤٥ – الصفحة ١٥

تعليق واحد

اترك تعليقاً

نص التعليق

زر الذهاب إلى الأعلى