مقالات

مقالات: الأُنس والحجر الصحي

☄بقلم: الأستاذ زكي الشعلة

قد تمر على الإنسان بعض الذكريات الجميلة أو الحزينة بسبب مواقف معينة تحدث له ويسترجع بعض الأفراح أو الألآم التي مرت بحياته، وأحيانا يشم رائحة عطر أو يسمع خطاباً أو يسمع أناشيدا أو يمر بموقف تسترجع معلومات مخزنة في عقليته مصحوبة بمشاعر وأحاسيس بكل تفاصيلها، ونحن في الحجر الصحي واتخاذ كل الإجراءات الوقائية والإرشادات وعدم التجول ليلا لأجل سلامة الوطن والمواطنين، هاتفني أحد الأصدقاء يحكي معاناته مع الحجر الصحي وذكرياته الأليمة التي قيدته عن الحركة وجعلته ساكناً ووحيداً وخاصة مع كبر سنه وانعزاله عن الحياة، فعندما كان موظفاً في شركة كبيرة يستلم راتباً عالياَ يغدق على جميع أفراد عائلته بالخير الوفير وهم معززون مكرمون غير محتاجين لأي أحد، وبعد تقاعده وانشغال أبناءه ونشوب الخلافات بينه وبين شريكة حياته، أصبحت حياته تعيسة ينتظر الرحيل فاقداً استمتاع الحياة بأهلها وخيراتها بحيث يعيش وحيدا في غرفته داخل البيت منذ سنوات ولا يخرج منها بسبب قلة الحركة وقلة الإنتاج وكبر السن، فيتأسف على تلك الأيام الجميلة التي كان فيها معطاء ومنتجاً في الحياة. الحركة والعمل هما أساس الحياة الطبيعية التي تجلب السعادة والعافية للإنسان ويأنس بجنسه أثناء التواصل والاحتكاك، وإذا توقفت حركة الإنسان وجلس ساكناً في بيته يشعر بالوحدة والقيد، كما حالنا الآن ونحن في أتم الصحة والعافية ومع عوائلنا وأبنائنا وقد ينتابنا الضجر والملل بسبب عدم الحركة والتجول والقيود المفروضة على الجميع لأجل سلامتهم وسلامة الوطن من الوباء.

الأنس الحقيقي مع الله سبحانه وتعالى إذا اختلى الإنسان بربه يعبده ويدعوه بالسراء والضراء، ولا غنى في هذه الحياة عن الأنس الاعتباري بأخيه الإنسان فلذا سمي الإنسان إنساناً لاشتياقه واحتياجه للأنس مع سائر جنسه من ذكر وأنثى، وإذا انعزل الإنسان عن المجتمع أصبح وحيداً محروما من نعمة الاجتماع، لأن الإنسان بطبعه اجتماعي مع أفراد جنسه. فأولياء الله يأنسون بالله عز وجل أكثر من أنسهم بالبشر لأنهم يعلمون بان الله خالقهم ومؤنسهم في الدنيا والآخرة ويخدمون عباد الله ويقضون حوائجهم قربة لله تعالى، وبعض الناس يأنسون بالحيوانات الأليفة كالطيور والقطط والكلاب وغيرها لتؤنسهم في دارهم ورحلاتهم ولهم في قلوبهم معزة خاصة.

فالحقيقة التي نمر بها هذه الأيام اتضحت جلياَ بأن الإنسان لا غنى عن أخيه الإنسان، فيحتاج كل واحد منا للأنس من المحادثة والتفاعل الجسدي والروحي وتلا قح العقول والأخذ والعطاء بين بعضهم البعض وذلك لبناء مجتمعهم ووطنهم وإعمار الأرض، وكذلك حاجة كل إنسان لغيره لقضاء حوائجه وإنجاز خدماته الأساسية والضرورية وغيرها من المأكل والمشرب والملبس وإشباع رغباته الذاتية والاجتماعية، فأيام الاجتماع مع الأحبة والإخوان تكون ممتعة وسعيدة تستأنس بحديثهم وضحكاتهم ومواقفهم الجميلة في الحياة، وقد وفرت وسائل الاتصالات وعالم الانترنت كل وسائل التواصل المرئي والمسموع عبر قنوات التواصل الاجتماعي ومنصات التفاعل والتطبيقات الجديدة للحياة الاجتماعية المؤقتة للاستئناس بالأحبة ومعرفة أخبارهم وأحوالهم ولا غنى عن لقياهم في مكان واحد.

الانعزالية عن المجتمع وعدم الانخراط فيه قد يسبب للإنسان الكآبة والرهاب الاجتماعي والمرض النفسي، فيحتاج إلى تأهيله ليكون سوياً واجتماعياً وإنساناَ طبيعياَ، ويجب علينا رفع معنوياته وتسليحه بالعلم والإيمان ليكون إنساناً فاعلاَ في مجتمعه وإبراز طاقاته، فيكون إرشاده باللين والرحمة والمودة وعدم الغلظة في التعامل وكما قال أحد الحكماء : (( إن اللين يؤنس الوحشة، وإن الغلظة يوحش موضع الأنس )) ففي بعض تعامل الآباء لأولادهم والأمهات لبناتهم والمعلمين لطلابهم والرؤساء لمرؤوسيهم يكون بالغلظة والشدة مما يسبب النفور بينهم ويفقد الاحترام والتقدير بينهم فتكون الوحشة بين أرواحهم وذهاب الأنس بينهم، وقد حث ديننا الحنيف على فن التعامل مع الآخرين بالأخلاق الحسنة والكلمة الطيبة التي تجذب القلب وتأسر الإنسان. وفي هذه الحالة يأنس كل إنسان بأخيه الإنسان وتأتلف الأرواح وتتجاذب القلوب، فالإنسان يميل إلى من أحسن إليه. لذا يتوجب علينا أن نتعامل مع أخينا الإنسان مهما كانت جنسيته وعرقه ودينه ومذهبه بالحسنى، وبالخصوص مع عوائلنا بالحجر الصحي حتى لا نشعر بالوحدة ونأنس ببعضنا البعض وننشر المحبة والعطاء من أجل بناء مجتمعنا وسلامة وطننا. ودمتم بخير

سؤال التحدي الأسبوعي: أوجد الزاوية الصغرى بين العقربين إذا كانت الساعة التاسعة وعشر دقائق؟
أ) 145 ب) 180 ج) 215 د) 270

جواب سؤال التحدي للأسبوع الماضي: 5000 ريال.

اترك تعليقاً

نص التعليق

زر الذهاب إلى الأعلى