مقالات

مقالات .. عفاف ٢



رضي منصور العسيف

نادتها والدتها… عفاف لقد جاءت صديقتك حوراء …
جاءت عفاف … احتضنت حوراء قائلة: أهلأ بك يا عزيزتي … لماذا أراك بهذا الحزن …
أجابتها: لقد كنت مترددة أن أحضر لزيارتك هذه الليلة… كنت خائفة أن أراك حزينة، كنت خائفة أن ترفضي مقابلتي…
ضحكت عفاف وقالت: تفكيرك صحيح لو أنني لم أجد أبي وأمي ليخرجاني من هذا النفق الكئيب بأسرع وقت… الحمد لله على كل حال…
في هذه الأثناء دخلت والدة عفاف: لقد أعددت لكما كوبين من الشاي الأخضر … إنه منعش … يساعدكن على الاسترخاء ويحسن الحالة المزاجية لديكن…
ضحكت عفاف وقالت: هكذا هي أمي … تعالج المشاكل بكل هدوء …
ضحكت والدة عفاف وقالت: للأسف ليس لدينا شوكولاته داكنة فهي أيضا تساعد على الاسترخاء وتحسن من الحالة المزاجية أيضا…
ضحكت حوراء وقالت: شكراً لك يا خالتي لا نريد شوكولاته، لا نريد أن يزداد وزننا مرة أخرى …
ضحك الجميع، ثم قالت والدة عفاف: يا عزيزاتي … هكذا هي الحياة بها التقلبات والمنغصات، والعاقل من يتجاوز هذه العقبات، لو خسرنا شيئاً ما فإن هناك العديد من البدائل… لماذا يتوقف عقلنا عند هذا الحد.
لازلت أتذكر تلك القصة الجميلة، قصة بطاطا، بيضة أم قهوة؟!
هل ترغبان في أن أحكيها لكما؟!
أجابت حوراء: بالطبع فمنذ زمن طويل لم استمع لقصة جميلة، هيا تفضلي يا خالتي:
قالت أم عفاف:
في أحد الأيام شكت طفلة لوالدها ما تعانيه من مشقّات الحياة. أخبرته أنّها تعيش حياة تعيسة ولا تعلم كيف تتجاوز كلّ المصاعب التي تواجهها. فما إن تتغلّب على مشكلة ما حتى تفاجئها الحياة بمشكلة أكبر وأقسى. كان والدها طاهيًا بارعًا، فلم ينبس ببنت شفة…بدلاً من ذلك طلب منها مرافقته إلى المطبخ. وهناك أحضر ثلاث أوعية ملأها بالماء ووضعها على النار. وبمجرّد أن بدأت بالغليان، وضع حبات من البطاطا في الوعاء الأول، حبات من البيض في الوعاء الثاني وحفنة من حبيبات القهوة في الوعاء الثالث. وتركها تغلي دون أن يقول شيئًا. أصاب الطفلة الملل وبدأ صبرها ينفد. وراحت تتساءل عمّا يفعله والدها. وبعد عشرين دقيقة، أطفأ الأب الطيب النار. وأخرج البطاطا والبيض والقهوة ووضع كلّا منها في وعاء زجاجي شفاف. التفت بعدها نحو ابنته وقال: – “ماذا ترين؟” – “بطاطا، وبيض وقهوة!” أجابت مستغربة. – “ألقِ نظرة أدقّ!” قال الأب: “والمسي حبات البطاطا.” وكذلك فعلت الطفلة فلاحظت أنها أصبحت طرية. ثمّ طلب منها أن تكسر حبة البيض، فلاحظت أنّها قد أصبحت أقسى. أخيرًا طلب منها ارتشاف القهوة فلاحظت أنّها لذيذة ورسمت على محيّاها ابتسامة خفيفة. – “أبي، ماذا يعني كلّ هذا؟” سألت الصغيرة في عجب. وهنا شرح الأب قائلا: – “كلّ من البطاطا والبيض والقهوة واجهت نفس الظروف (الماء المغلي الساخن) لكن كلّا منها أظهر ردة فعل مختلف، فالبطاطا التي كانت تبدو قاسية قوية، أصبحت طرية ضعيفة. والبيضة ذات القشرة الهشّة تحوّل السائل فيها إلى صلب. أمّا القهوة فكانت ردّة فعلها فريدة، لقد غيّرت لون الماء ونكهته، وأدّت إلى خلق شيء جديد تمامًا.” صمت الأب قليلاً ثمّ واصل: – “أيّها أنتِ؟ عندما تواجهك ظروف الحياة الصعبة، كيف تستجيبين لها؟ هل تبدين ردّة فعل كالبطاطا؟ كالبيض؟ أم كالقهوة؟”

ثم قالت أم عفاف العبرة المستفادة يا عزيزتاي: تحدث في الحياة من حولنا الكثير من الأمور، وتواجهنا الكثير من الصعاب والأحداث المؤلمة، لكن لا يهمّ منها شيء. فالمهم حقًا هو كيف نختار ردّة فعلنا على هذه الصعاب. هل تحطّمنا وتجعلنا ضعفاء كالبطاطا. أم أنّها تحوّلنا إلى أشخاص قساة من الداخل كما هو الحال مع البيض. أمّ أننا نتعلّم منها ونستغلّها في تغيير العالم من حولنا، وخلق شيء إيجابي جديد.
قالت حوراء: حقاً هي قصة ذات مغزى عظيم… ثم نظرت لعفاف وسألتها: هل أنت قهوة…
ضحكت عفاف وقالت: نعم قهوة ساخنة …
ثم أكملت عفاف حديثها لقد نسيت والدتي العزيزة أن تخبرنا أن الشعور بالسعادة والاسترخاء لن يكتمل إلا عند الجلوس مع الأصدقاء وشرب كوب قهوة ساخن …

اترك تعليقاً

نص التعليق

زر الذهاب إلى الأعلى